خطورة بطالة الرجل على المجتمع
محمد الغامدي
سأدخل مباشرة في الموضوع.. تقول هيلينا كرونين: “البطالة بالنسبة للمرأة تعني فقدان عمل، أما بالنسبة للرجل فهي فقدان للوضع الاجتماعي”، وتحليلها هنا كان علمياً بحتاً قائما على “جينات الجريمة” التي ستظهر من خلال “جينات البطالة” عند الرجال، أكثر من ظهورها عند النساء، لأن المرأة حتى وإن لم تعمل فإنها لا تفقد وضعها الاجتماعي فقد تتزوج مثلاً دون أن تظهر لديها جينات الجريمة، وخصوصًا في مجتمعنا الذي ما زال يؤمن بالحياة الأسرية، لأن التفرعات الاجتماعية جراء فقدان العمل لدى الرجل خطيرة عليه وعلى من حوله أكثر مما هي لدى المرأة، فسيكولوجية الرجل تختلف في مثل هذا الوضع عن المرأة مما قد يجعل الرجل يتخذ خطوات خطرة من أجل استعادة الوضع الاجتماعي الذي فقده عبر تعطّله عن العمل.
و “الرجل ذو الوضع الاجتماعي المنخفض ينخفض وضعه كقرين؛ وسيجد صعوبة أكثر في العثور على شريكة له، وسيجد صعوبة أكبر في الاحتفاظ بشريكته؛ الزوجان اللذان تكسب الزوجة منهما أكثر من الزوج يكون طلاقهما أكثر ترجيحًا”.
لم نحلل بهذا العمق في هذه المسألة، ولم نقرأ ونحن نوظف المرأة ما هي انعكاسات ذلك على المجتمع، وطالما أننا لم نصل إلى هذا المستوى من الطرح فإن حجتنا تجاه ما يجري في المجتمع ستكون ضعيفة، ولن نقدم سوى تعبير سخيف يمر على صانع القرار دون تأثير، بل قد يهزأ بما قرأه ويتجه إلى مكان آخر يقفز إليه من أجل خطوة جديدة يتخذها لتسيير المجتمع دون أن يدرك أن هناك مسألة عالقة لم يستطع أحد إقناعه بها.
وهكذا تسير الأمور، أو كانت تسير حتى وقت قريب في الصحف والمجلات بل حتى في الفضائيات، ولم يكشف لنا هذا العمق سوى ما نقرأه من المجتمعات التي تتفحص القرارات وتقدم التجارب تلو التجارب من أجل الوصول إلى نتيجة مرضية لكل المجتمع.
البناء هنا ليس اعتباطيًا فهو تسلسل تم رسمه بشكل جيد حتى تحليل العنف المنزلي جراء المساواة بين الذكر والأنثى تم طرحه بعيدًا عن الهشاشة، وتوجيهه نحو الجينات التي تصيب الرجل بغيرة ذكرية تجعله يتخذ العنف في منزله وسيلة لإطفاء هذا الانخفاض الاجتماعي الذي يعيشه، “كما إن انخفاض الوضع الاجتماعي عامل فعال لتحريك الماكينة السيكولوجية للغيرة بأعلى سرعة وفوق ذلك فإن الانحدار في الوضع الاجتماعي له كما يحدث في أنواع كثيرة أخرى، تأثير مروع في الذكر (وليس الأنثى) من حيث الصحة وطول العمر.
وعندما يبدو المستقبل مشؤومًا هكذا سنجد مرة أخرى كما يحدث في أنواع كثيرة أخرى، أن الذكور (وليس الإناث) هم الذين يرجح أن يقوموا بالمخاطرة… أي فرد له اهتمام حقيقي بالبطالة وتفرعاتها الاجتماعية المرعبة ينبغي ألا يهاجم نظرية التطور؛ وإنما ينبغي أن يعتنقها. فهي مما لا يستغنى عنه مطلقًا من أجل التوصل إلى استيعاب الصلات السببية المتعلقة بالأمر”.
لماذا أوردت ما سبق؟ ـ
لأبيّن أن ما نناقشه أو ما يراه المثقف لدينا أو من يعتقد أنه مثقف ـ ومعذرة لهذه الكلمة ـ ما هو إلا شيء على الهامش ولا يذهب إلى تحليل علمي مفيد يتم الاهتمام به، بل إن ما يُكتب ما هو إلا ردة فعل لما تطرحه وزارة الموارد أو الإحصاء عن موضوع البطالة فقط..
ولأن هذه الأيام يتم توظيف المرأة أو تمكينها دون قراءات واعية، ودون أن نسير بتراتبية بل إن توظيفهن خبط عشواء فقط، أو لا بد أن نوظف 1.5 مليون امرأة دون مراعاة متطلبات المجتمع، ولا أعترض على توظيفهن على الإطلاق بقدر ما أعترض على الطريقة التي يتم بها هذا التوظيف.
كل ما نحتاجه الآن هو دراسات معمقة تتناول الموضوع بكل شفافية، وبعيدًا عن المجاملة، فالمجاملة ستضر في مستقبل الأيام، وعلينا مراجعة هذه المسألة بشكل جاد.