حفلات الـ “مِلچة”.. الفادحة..! مسؤولية المجتمع في تصحيح البساطة والتكاليف

أمين العقيلي

في مجتمعنا، تتشكل بعض العادات الاجتماعية مع مرور الزمن لتصبح جزءًا من التقاليد المتبعة، رغم أنها قد تتحول إلى عبء مالي ونفسي على الأفراد والعائلات. ومن أبرز هذه الظواهر، إقامة مناسبات عقد القِران في صالات أفراح ضخمة أو المساجد الكبيرة، مع دعوة أعداد هائلة من الضيوف، بما يجعل هذه المناسبة أشبه بالزفاف من حيث التكاليف والإعدادات، ويُثقل كاهل العائلتين، خاصة ذوي الدخل المحدود.

آثار هذه الظاهرة على المجتمع

لطالما كان عقد القِران مناسبة بسيطة، تجمع بين العائلتين للاحتفال بالرباط المقدس بين العريس والعروس، وتقتصر عادة على حضور الأقارب المقربين. إلا أن هذه البساطة تراجعت أمام التوسع الكبير في الدعوات والصالات المكلفة، مما أفرز عدة آثار سلبية، من أبرزها:

1. الضغط النفسي على المدعوين:

الانتظار الطويل في طوابير للسلام على المعرس وأقاربه يسبب إحراجًا وتوترًا نفسيًا، ويُفقد المناسبة روحها، بدلًا من أن يكون السلام مباشرًا وبسيطًا على المعرس.

2. التكاليف المادية والمبالغة في عقد القِران:

من أبرز الإشكالات الاجتماعية المرافقة لعقد القِران المبالغة في تكاليفه، حيث تحوّلت هذه المناسبة المباركة لدى البعض إلى عبء مالي لا مبرر له، وأثقلت كاهل الأسر، وأخرجت العقد عن مقصده الشرعي والاجتماعي القائم على اليسر والبساطة. إن ترسيخ ثقافة الاعتدال والاقتصار على الضروري في عقد القِران هو الحل الجذري لهذه الإشكالية، بما يحفظ كرامة الأسر ويمنع نشوء الخلافات.

وفي حال وُجدت تكاليف تفرضها ظروف خاصة، فإن تحمّلها بروح المسؤولية المشتركة بين الطرفين، دون تحميل جهة واحدة العبء كاملًا، يُعد سلوكًا اجتماعيًا راقيًا يعزز التفاهم ويحقق العدالة.

3. تكرار المناسبات ومضاعفة الضغوط:

في بعض الحالات يُدعى الشخص إلى أكثر من مناسبة عقد قِران في اليوم نفسه، مما يضاعف الضغوط على المدعوين ويزيد من الإرهاق النفسي والاجتماعي.

4. فقدان قيمة العُرس وتكرار الدعوات:

تحوّل الاحتفال بعقد القِران لدى البعض إلى مناسبة تُقام بذات مظاهر العُرس، من حيث الحشود والتنظيم والتكاليف، أسهم في فقدان العُرس لاحقًا لخصوصيته وقيمته الرمزية، إذ تصبح الدعوات متكررة والمشاعر متشابهة، مما يُضعف أثر الفرح الحقيقي ويُرهق العائلات اجتماعيًا ونفسيًا.

مسؤولية المجتمع في تصحيح المسار

لتصحيح هذه الظاهرة والحد من آثارها السلبية، يجب أن يتحمل المجتمع مسؤوليته كاملة، بدءًا من خطباء المساجد والمثقفين، وصولًا إلى العائلات والمجالس المحلية:

   •   خطباء المساجد:

عليهم توجيه المجتمع نحو التيسير والبساطة في المناسبات، والتأكيد على القيم الدينية التي تحث على الاعتدال وعدم تحميل الأسر ما يفوق طاقتها، وإحياء المعنى الحقيقي لعقد القِران.

   •   المثقفون ووسائل الإعلام:

يقع على عاتقهم نشر الوعي بمخاطر الإفراط في التكاليف، وتسليط الضوء على الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه العادات، مع تقديم نماذج واقعية وبدائل عملية تعيد للمناسبات بساطتها.

   •   الحوار المجتمعي:

فتح قنوات تواصل بين الأفراد والعائلات والمؤسسات المحلية لإيجاد حلول توافقية تقلل من الضغوط المالية والنفسية، وتعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي من بساطة واعتدال.

الخاتمة

إن الاحتفاء بالمناسبات السعيدة، كعقد القِران، يجب أن يكون في إطار يتناسب مع قدرات العائلات، بعيدًا عن المظاهر المبالغ فيها والتكاليف الثقيلة. فالعودة إلى البساطة والاعتدال لا تخفف الأعباء المالية فحسب، بل تسهم في بناء مجتمع أكثر تلاحمًا وراحة، بعيدًا عن التوترات والخلافات. ويظل دور المجتمع بأطيافه المختلفة محوريًا في ترسيخ هذه القيم وتصحيح المسار بما يخدم المصلحة العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×