القطيف بعيون زوارها!

حسن المصطفى
كنت في إحدى الجلساتِ أستمع الى حديث إحدى الشخصيات التي زارت محافظة القطيف خلال العام الجاري. المتحدث سرد انطباعات ومشاهدات تعكس اهتماماً منه بالتفاصيل التي تكون المشهد الأكبر، لأن الجزئيات ـ حتى التي قد يعتبرها البعض صغيرة ـ ضرورية؛ كي تكون التجربة متكاملة وغير ناقصة.
الشخصية الكريمة لاحظت وجود مشاريع جديدة في القطيف، وذلك يُشير الى أن هنالك تقدماً في البنية التحتية، والطرقات، والخدمات، مقارنة بآخر مرة زار فيها “المحافظة”، وأن هذا التغير نحو الأفضل سيؤدي إلى تحسن في الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين، ويرفع من مستوى جودة الحياة، ويجعل القطيف أكثر جمالاً، وبالتالي مقصداً لمزيد من الزوار من داخل المنطقة الشرقية وباقي المناطق السعودية.
مشروع “الواجهة البحرية” والأحياء الجديدة المحاذية له، والكورنيش البحري، ومنتزه الرامس، ووسط العوامية، كُلها ـ بنظره ـ أماكن جذبٍ جميلة وأنيقة.
إنما في ذات الوقت، يعتقد أنه ينبغي أن يتم الاستفادة منها بشكل أفضل.
أول ملاحظات محدثي الكريم، كانت عدم اكتمال مشروع الفندق المحاذي للبحر، معتبراً أن هذا يشكل فراغاً كبيراً في مشروع الاستثمار السياحي في محافظة القطيف، وأنه من غير المنطقي بقاء المشروع لسنوات دون استكمال، رغم انتهاء البنية الأساسية له!
هنالك مدن ومحافظات أصغر من القطيف، ومع هذا توجد بها دور ضيافة، وشقق فندقية، إلا أن غياب هذه المرافق الخدمية في المحافظة يجعلها أقل جاذبية لدى الزوار الذين يرغبون في تجربة سياحية مكتملة.
فالقادم إلى القطيف، يرغب في أن يباتَ فيها عوض أن يذهب للإقامة في الدمام أو الخبر؛ ولذا فإن وجود مرافق فندقية يمثل حاجة ملحة، فضلاً عن كونها مشاريع مربحة مالياً، إذا تم تشغيلها وإدارتها بطريقة صحيحة.
ليس المطلوب أن تكون هنالك فنادق فاخرة، بل أن تتنوع الخيارات بين الفنادق ذات الخمسة والأربعة نجوم، والشقق الفندقية، وكذلك نُزل الضيافة التقليدية سواء في الأحياء القديمة التي تحول فيها المنازل العتيقة إلى أماكن للسكن المخدوم، أو المزارع التي تقام فيها شاليهات تقدم خدماتها لزوار القطيف.
الأمر الآخر ـ يضيفُ محدثي ـ “تشغيل وسط العوامية بشكل أكثر فاعلية، واستكمال تأجير المحلات التجارية في المشروع”. خصوصاً أن الفعاليات التي أقيمت سابقاً في المكان أثبتت نجاحها، وكان آخرها “عرض الرامس الرابع للسيارات” الذي أقيم في ديسمبر الجاري، وزاره أكثر من 80 ألف شخص من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وشاركت فيه 570 سيارة متنوعة بين كلاسيكية وفارهة ورياضية ومعدلة، من أصل أكثر من 1100 طلب تلقته اللجنة المشرفة على “العرض” للمشاركة!
هذا النجاح للحدث، دليل على أن هنالك إقبالاً على مثل هذه المهرجانات، وأن “وسط العوامية” يمكنه أن يكون مساحة تجارية وثقافية وفنية وتراثية واجتماعية، تقام فيها المناسبات المختلفة، وتدعم المشاريع الصغيرة التي تُجترح هناك، وهو أمر يدعم الاقتصاد المحلي في “العوامية” ونواحيها، ويعود على المواطنين بالنفع.
وجهة النظر هذه استمعت لأخرى مشابهة لها، من شخصية ثانية زارت محافظة القطيف، مبدية إعجابها بـ”الواجهة البحرية” تحديداً، والمزارع المحيطة بالمحافظة، دون أن تنسى إبداء ملاحظاتها عن أهمية استكمال الأعمال الإنشائية والشوارع والمشاريع البلدية الأخرى في القطيف، وهي ملاحظة أجدها مهمة، لأن التأخر في المشاريع يعود بأثر سلبي على عملية التنمية والاستثمار، ويجعل رواد الأعمال يترددون في افتتاح المزيد من المشاريع.
لذا، من المهم أن يكون هنالك إشراف دقيق على سرعة استكمال المشاريع في أوقاتها المحددة، وجودة الأداء، وبالذات مشاريع التوسعة العامة والبنية التحتية والنظافة والطرق السريعة والداخلية.. وسواها؛ دون نسيان أهمية العناية بالجماليات، وخصوصاً اشتراطات البناء الحديثة المتوافقة مع “كود البناء” ومعمار البناء القطيفي، وتشجير الأحياء والشوارع، وزيادة نسبة المساحات الخضراء والحدائق العامة.
إن التنمية والاستثمار عملية تراكمية، تحتاج خطة عملٍ بعيدة المدى، ورؤية حديثة تراعي أنسنة المدن وانفتاحها، لأن الاستثمار ليس عملية اقتصادية وحسب، بل إحدى رافعات التغيير الاجتماعي والثقافي، التي تجعل المدن مساحات مشتركة لمختلف الثقافات والأعراق والأفكار، وبالتالي تكون المدينة بعيدة عن الانغلاق والجمود والسوداوية والأحادية، ويكون إنسانها أكثر قدرة على الشراكة مع بقية نظرائه في الوطن بكلِ رحابة، وبعقل منفتحٍ ينظر إلى المستقبل بشغفٍ، وتطلع لتحقيق مزيد من النجاح والحياة الكريمة.
* كاتب وصحافي سعودي
� تحليل وتقدير مقال «القطيف بعيون زوارها!» للكاتب حسن المصطفى
لقد قدم الأستاذ حسن المصطفى في مقاله «القطيف بعيون زوارها!» قراءة حيّة ومباشرة لواقع مدينة القطيف من منظور زوارها، مستندًا إلى ملاحظات حقيقية وتجارب واقعية، وهذا ما يمنح المقال صدقيّة وعمقًا ينطلق من أرض الواقع وليس من مجرد نظريات نظرية.
📍 أولًا: قيمة الملاحظة الواقعية
استند الكاتب في مقاله إلى ما صرّح به زوار القطيف عن المشاريع التنموية التي تشهدها المحافظة، ولا سيّما الواجهة البحرية، المتنزهات، والمناطق الحضرية الحديثة. لقد سلط الضوء على جانب مهم في التنمية: كيف يرى الزائر ما لا يلاحظه الساكن أحيانًا، وهو مؤشر قوي على تقدّم المشهد العام.
📍 ثانيًا: التوازن في الطرح
المقال لا يكتفي بالإشادة بما تحقق من مشاريع، بل يذهب إلى طرح ملاحظات بنّاءة بشأن ما ينبغي استكماله مثل الفنادق ومرافق الإقامة التي تجعل تجربة الزائر أكثر كمالًا واستدامة. هذا التوازن بين الثناء وطرح الحاجة المستقبلية يعكس نضجًا في التحليل ورؤية واضحة للفرص والتحديات.
📍 ثالثًا: التنمية بمعناها الثقافي والاجتماعي
ما يميّز المقال عن غيره أن الكاتب لا يختزل التنمية في الجانب الاقتصادي فحسب، بل يذكر أنها أداة للتغيير الاجتماعي والثقافي، وأن المدينة التي تنفتح على الاستثمار الحقيقي هي تلك التي تسمح بتلاقٍ أكبر بين الثقافات والأفكار وتستوعب أنماط الحياة المتنوعة، وهو أمر يعكس عمقًا في فهم وظيفة الإعلام في خدمة المجتمع والبناء الحضاري.
📍 رابعًا: أسلوب السرد والتحليل
أسلوب الأستاذ المصطفى في المقال سلس وواضح، يمزج الواقع بالمقترح، والتحليل بالنقد البناء، مما يجعل القارئ ليس فقط مستمتعًا بالقراءة، بل متفاعلاً معها، ويشعر كأنه جزء من الحوار حول مستقبل القطيف.
✨ ختامًا
إن ما زرعه الأستاذ حسن المصطفى في هذا المقال من رؤى ملاحِظة، ومن منظور إنساني تحليلي تجاه التنمية في القطيف، يستحق الثناء والتقدير. المقال لا يقدّم مجرد صورة عابرة، بل يقترح رؤى قابلة للمساءلة والمراجعة، وهو ما ينبغي أن يكون عليه دور الإعلامي المثقف: ناقلًا للواقع، محلِّلًا له، ومساهمًا في تطويره.
شكرًا للأستاذ حسن المصطفى على هذا المقال الرصين، ونتطلع لمزيد من كتاباته التي تميّز بين السطر وتركّز على جوهر المشهد الاجتماعي والتنموي في وطننا العزيز