سيرة طالب122] مشهد يُبكي الحجر

الشيخ علي الفرج
منذ سنواتٍ طويلة، وفي أوائل طريقي في طلب العلم، رحلت عن الدنيا مؤمنةٌ من عائلة قديحية كريمة. اتّصل بي زوجها، وقال بصوتٍ مكسور:
وفدت زوجتي على الله.. أحتاجك أن تعينني في بعض الأمور.
لم أتردّد. أسرعت إلى المغتسل، لكنّ المستشفى تأخّر في تسليم الجثمان، فطال الانتظار حتى قارَب الليل منتصفه، ولم يشّيعها الناس تلك الليلة، فعدتُ إلى منزلي وقلبي مثقلٌ بظلال الحزن.
وفي الصباح الباكر، رجعت إلى المغتسل. وما إن فتحت الباب، حتى وقعت عيناي على النعش، ساكنًا، صامتًا، يضمّ جسد المرحومة الذي فارق أنفاسه.
وأشدّ ما زلزل أعماقي ومزّق قلبي المشهد الذي رأيته قربه، كان طفلاها الصغيران نائمَين بجانب النعش، ملتصقَين به كأنهما يبحثان عن دفءٍ تاه منهما إلى الأبد.

ناما هناك:
كأنّهما ما زالا يسمعان نبض أمّهما من وراء الخشب.
كأنّهما يضعان خدّيهما على آخر أثرٍ لحنانها.
كأنّ النعش – رغم برده – تحوّل إلى حضنٍ يحتضنهما بدل صدرها الغائب.
تجمدتُ في مكاني، ودموعي تسيل بلا استئذان.
كان المشهد وجعًا خالصًا…
أمٌّ ودّعت الحياة، وطفلان ينامان بجوارها، لا يعرفان أنّ حضنها طُويَ إلى الأبد، وأنّ الصباح الذي جاء بهما إلى المغتسل، لن يعود مرة أخرى.
رغم مرور ثلاثين عامًا وأكثر من ذلك، ما زال ذكر ذلك الموقف يوقظ في قلبي وجعًا وحزنًا.








