معركة “فاطمة” وطفلها استمرّت 5 أشهر في العناية المركزة وُلد خديجاً نحيلاً.. وكلّ غرام من وزنه كان مكسباً

القطيف: ليلى العوامي

لم تكن فاطمة محمد الصمخان تتخيّل أن تبدأ رحلتها في الأمومة بدموع وارتجاف قلب بدلا من ابتسامة الولادة. كانت تظن أن زيارة سريعة لمستشفى القطيف المركزي ستنتهي بطمأنة عابرة، لكنها كانت الشرارة الأولى لحكاية امتزجت فيها الدموع بالدعاء، والخوف بالأمل، امتدت 157 يوما من الصبر والانتظار، في ممرات تمتزج فيها أصوات أجهزة التنفس وقلوب الأمهات المعلقة بمعجزة الحياة.

ولادة مبكرة

تستعيد فاطمة لحظة البداية وتحكي قصتها لـ “صُبرة”

“كنت أشعر بتعب بسيط بعد يوم طويل من احتفالات اليوم الوطني، فقررت الذهاب إلى المستشفى فقط للاطمئنان. لم أكن أعلم أن تلك الخطوة الصغيرة ستفتح بابا كبيرًا نحو المجهول.”

في البداية، أدخلت إلى غرفة التنويم، ولم يطل ذلك الوقت حيث طمأنها الأطباء، واستقرت حالتها وغادرت إلى المنزل، لكن الألم عاد موجعا هذه المرة ومفاجئا. فعادت مسرعة إلى المستشفى، وهناك، ودون سابق إنذار أو استعداد وضعت طفلها الأول، كان ما يزال في الأسبوع 26 من الحمل.

الحضانة و ولدي

ولدت فاطمة  في 24 سبتمبر 2019.

كان طفلها صغير إلى حد لا يُصدّق، لا يتجاوز وزنه كيلوجراما واحدا، وجسده الهشّ متصل بالأجهزة والأنابيب. تقول فاطمة بصوت يغلبه الحنين “تخيلت أن أحتضنه على صدري، أسمع نبضه، أقبله… لكنني لم أستطع حتى لمسه. كان جلده أحمراً رقيقًا كأن الحياة لم تكتمل فيه بعد. اكتفيت بالنظر إليه من بعيد، وأملي معقود بين تلك الأجهزة.”

لحظات قاسية

تغالب فاطمة دموعها وهي تروي “كنت أذهب إلى المستشفى في كل وقت رضاعة، أراقبه من خلف الزجاج، أحيانا يطلبون مني المغادرة، وكأنهم يسحبون قلبي من بين ضلوعي. أخرج من الغرفة لكن روحي تبقى هناك بجانبه.”

وتضيف “أصعب اللحظات كانت حين أرى الأطباء مجتمعين حوله، فأشعر أن الأرض تميد بي. وذات يوم توفي الطفل الذي كان يرقد بجانبه، فخنقني الخوف، وبكيت دون صوت.”

اليد البيضاء

رغم ثقل الأيام، كانت فاطمة محاطة بسند لا يُقدّر بثمن: العائلة.

تقول “أهلي وقفوا معي بكل ما يستطيعون. كنت طالبة جامعية في سنتي الأخيرة، وكانت مسؤوليات البيت تزداد، فتكفّلوا بكل شيء حتى أركز على طفلي ودراستي. كانوا يخففون عني الحمل النفسي الذي كان يوشك أن ينهكني.”

حذر ممزوج بحب

تتحدث فاطمة بامتنان عن الفريق الطبي “التمريض والأطباء كانوا نعمة من الله، علموني كيف أتعامل مع الموقف، كانوا يردون على مكالماتي بصبر ويشجعونني على الثبات. الطبيبة المشرفة كانت حريصة ألا تزرع فيّ آمالاً زائفة، بل كانت تذكّرني دائما بأن الأمر كله بيد الله، وتقول لي: ‘أكثري من الدعاء، فالمعجزة لا يصنعها إلا الصبر”

وتضيف “كانت أيامي تمضي ببطء، بين المستشفى والدراسة والبحث عن طريقة لأوفر له رضعاته، أعيش على أمل أن أراه بخير في اليوم التالي.”

الزيادة المبهجة

وسط هذا الإرهاق الجسدي والنفسي، كان كل غرام يزداد في وزن طفلها بمثابة عيد صغير.

تقول فاطمة “كنت أزور المستشفى يوميا، أحمل الحليب الذي أقوم بشفطه في المنزل وأمضي بقلبي قبل قدمي. حالتي النفسية كانت مرتبطة بحالته، أفرح حين أرى نسبة الأكسجين تتحسن، وأحزن حين تتراجع. كل زيادة في وزنه كانت فرحة لا توصف، وكل انتكاسة تعيدني إلى نقطة الصفر.”

فرحة أم

خمسة أشهر من الترقب عاشتها فاطمة بين جدران قسم العناية المركزة لحديثي الولادة (NICU)، حتى جاء اليوم الذي أضاء قلبها.

تقول “لن أنسى ذلك اليوم أبدا. ذهبت لزيارته كعادتي، فأخبرتني الممرضة أنه نُقل إلى قسم الأطفال (SCUBA). كانت تلك الكلمة وحدها كفيلة بأن تمحو كل وجعي. شعرت أنني عبرت أصعب مراحل الطريق.”

طاقم طبي أمين

في الشهر الأخير قبل الخروج، سُمح لفاطمة بالبقاء مع طفلها في قسم الأطفال لتتعلم كيف تعتني به وتتهيأ للحياة الجديدة.

تكمل سرد الحكاية “كان الطاقم الطبي متعاونا جداً، لم يتضايقوا من أسئلتي الكثيرة ولا من زياراتي المتكررة، كانوا يشعرون بي كأم تخشى أن تفقد أغلى ما تملك.”

شكراً ربي

تتنفس فاطمة الصعداء وهي تسترجع نهاية الرحلة “في 27 فبراير 2020 خرجنا من المستشفى. كان يتنفس بنفسه ويحرك أطرافه الصغيرة دون أجهزة. نعم، كان نموّه في البداية أبطأ من أقرانه، لكن الآن، والحمد لله، يلعب معهم، يضحك ويركض، ولا فرق بينه وبين أي طفل آخر.”

تبتسم وتختم حديثها “ابني اليوم عمره 6 سنوات، بصحة وعافية. كل لحظة ألم نسيتها أمام هذه النعمة. ولادته كانت ابتلاء، لكنها أيضا كانت معجزة صغيرة، صنعها الله ليعلّمني أن الرحمة تولد أحيانا من عمق الخوف”.

تعليق واحد

  1. الف مبروك والحمد لله على سلامة ابنكم الغالي. قرأت القصة كاملة ودمعوعي لاتفارق عيني. وهذا لطف من الله عز وجل لعباده.. اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين. تمنياتنا للولد بالنجاح والتوفيق في حياته . والشكر موصول للفريق الطبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×