ولدت قبل أوانها.. رحلة فاطمة من خفقات قلب واهنة إلى خطوات واثقة معركة الحياة في حضّانة الخُدج

القطيف: ياسمين الدرورة

ولدت فاطمة آل عباس طفلة خديجة قبل أوانها ،لم تتشبت بالحياة في رحم والدتها لكن بدعاء والديها وكفاءة العناية الطبيّة للمواليد الخُدج كُتب لها أن تعيش وتزهر.

سردت والدتها زينب المرهون وهي ممرضة في قسم الحوامل بمستشفى الولادة والأطفال تجربتها لـ صُبرة في لقاء خاص، وقالت “كنا ننتظر مولودنا الأول بسعادة، وكان قرار طبيبتي إجراء ربط لعنق الرحم لمنع احتمال حدوث إجهاض، خاصة أن حملي الأول انتهى بعد مرور 4 أشهر دون سبب طبي معروف”.

وأضافت “كنت في بداية الشهر السابع فجأة شعرت بمغص قوي ذكّرني بإجهاضي الأول، هرعت إلى المستشفى وكنت قلقة، وشعرت بالهلع حاولت طبيبتي طمأنتي أن الحمل سيستمر، لكن الألم اشتد فكان القرار الطبي أن يتم فك الربط في الحال تحسبًا لولادة مبكرة، وفي صباح اليوم التالي كان الألم في أقصى مراحله ثم ما لبثت أن ولدت صغيرتي التي كانت ضئيلة الحجم تناضل بخفقات قلب واهنة، وبحاجة إلى رعاية عاجلة في وحدة العناية المركزة للخُدج”.

في العناية الفائقة

بدأت فاطمة معركتها الأخطر وهي المعركة الفاصلة بين البقاء على قيد الحياة أو الرحيل قبل أن يحتضنها قلب والدتها، كانت نجاتها مرتبطة بأسلاك ممتدة لشاشة تشير إلى نبضات قلبها، وجهاز يوصل الهواء إلى رئتيها الصغيرتين العاجزتين عن العمل.

عانت فاطمة من نزيف في الدماغ زاد من تعقيد حالتها، لكن باحتياطيات طبية عالية الشدة واهتمام بالغين مرت بسلام، استمرت مراقبة حالتها و إجراء العديد من التحاليل وعلاجات لتحفز رئتيها وأخرى لتساعد قلبها على الاكتمال.

صباح مختلف

مرت ليالي وأشهر من الانتظار عدتها والدتها وهي في قلق يومًا بيوم، كانت طوال 92 يوماً تأتي ذهاباً وإياباً إليها، مرت فيها الصغيرة بسلسلة من الأزمات انتهت بنجاتها.

و في صباح يوم مختلف عن كل الصباحات كانت أمّها ذاهبة لرؤيتها حاملة معها ملابس لأول مرة، وذلك لأن صغيرتها كبرت و ستلبس ملابس ملونة من اختيار والدتها، ليفاجأها الطبيب بإمكانية خروج فاطمة بأمان دون حاجة إلى إنتقالها من الحاضنة إلى سرير، بل إلى حضن والدتها مباشرة، اتصلت تزف الخبر السار لوالدها الذي أتى بفرحة لا تسعها الأرض ليضُم صغيرته أخيرًا.”

مراحل وتحديات

استكملت المرهون حديثها قائلة “أوليناها أنا ووالدها كل الرعاية، وكان علينا أن نتابع تطور نموها في كل الجوانب، كانت لديها مواعيد للعيادات، منها للعيون وأخرى للسمع، وكنا حريصين على مراقبة استجابتها ونموها الحسي والحركي، وأتذكر أول مرة استطاعت أن تمسك بنفسها وتجلس كان بعمر السنة وشهر تقريباً، كدنا أن نقفز من الفرح أنا ووالدها، وغمرنا شعور السعادة والانتصار، ومشت بخطوات صغيرة في سن السادسة”.

الحب في صورة أخت

أضافت “فرحت بمقدم أختها، وكانت تجلس بجانبها تراقبها بلهفة وحب، تخاف عليها عندما تبكي، وتأتي لي مسرعة تناديني وتشدني من ملابسي، تعلقت بها منذ كانت رضيعة، تشبعها احتضان وتقبيل كلما وضَعتها في حجرها، الآن يسيران معًا تمسكان بيدي بعضهما البعض.”

نجمة الصف

وتابعت “كنا غير متأكدين من حصول فاطمة على مقعد دراسي في التعليم العادي، وذلك لأنها كانت تستعين بالمشاية في السير والتنقل، ذهبنا إلى مقر التعليم لاستكمال بعض الأوراق المطلوبة، وبعد المقابلة نجحت وتم قبولها”.

وأردفت “فاطمة طفلة خجولة تنجح في جذب انتباه من حولها بمثابرتها، محبوبة من معلماتها وزميلاتها بالصف، تحب التعلم لكن أحياناً تعود متعبة من جلسات العلاج الطبيعي، وتحتج بملل طفولي على حل واجباتها، خاصةً أن التعليم الآن أصبح أصعب عن السابق، هي جيدة في الحفظ وحفظت قصار السور من القرآن الكريم عن ظهر قلب، كما تحب الإنشاد وتحفظ الكثير مما تعلمته، وهي مرحة وتحب أعياد الميلاد، كما تحب أن تهدي رفيقاتها الهدايا في المناسبات، وتنتقي هداياهم بعناية بنفسها”.

عيادات مختلفة

واستطردت زينب “بدأنا معها بجلسات العلاج الطبيعي والوظيفي منذ سن مبكرة، لم تكن تخلو من المشقة والتحديات تارة، ومن نوبات الدموع والبكاء تارة أخرى، مررنا معها بمراحل كثيرة بين الحب، والتشجيع، والخوف، والإشفاق عليها”.

السير بخطوات ثابتة

أجرت فاطمة تدخلاً جراحياً العام الماضي لتصحيح الأربطة في مفصل الركبتين لتقف مستقيمة، كانت بعد العملية تتلهف إلى العودة للسير من جديد، ولكن هذه المرة بدوّن مشاية، وقفت أمام المرآة الكبيرة بجبائر مؤقتة لتخطو خطواتها الأولى وهي واثقة و مبتسمة، مستبدلة دموع الألم والخوف بضحكتها، وتصفيق والديها لها”.

وأضافت “أخذناها إلى عيادات خاصة للعلاج الطبيعي للتركيز على ثبات خطواتها وإتزانها، كنا نخاف عليها التعثر أو السقوط، وما زلنا نتابع معها لدى طبيبها بعيادة جراحة العظام وإلى عيادة العيون كذلك للاطمئنان”.

وقالت في حديثها “فاطمة هي الحدث الأجمل في حياتنا، ونحن ممتنون ونحمد الله أن أبقاها لنا، نرى الحياة بعينيها الطفوليتين بستان من السعادة والآمال، و نستمد القوة من حاجتها لنا، ونتمنى أن تحصل صغيرتنا على الأفضل وتكون سعيدة دائمًا وبصحة جيدة”.

رسالة لقلب كل أم

واختتمت حديثها قائلة “أحب أن أقول لكل الأمهات و الآباء الذين يمرون بتجربة مشابهة، اغمروا أبنائكم بالحب والحنان، وابذلوا قصار جهدكم في رعايتهم، واصبروا مهما شعرتم بالضعف والإرهاق ومررتم بلحظات اليأس والانكسار، ستمر كل الظروف وتكون ذكرى، وتفتخرون يومًا ما بِنجاح صغاركم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×