حضارة البوري والفانيلة

عبدالجبار الخليوي

هؤلاء الذين يقفون بسياراتهم أمام البقالات والمغاسل والمحلات الصغيرة ويطلقون (البوري) انتظارًا لخروج العامل؛ مشهد يتكرر يوميًّا في كثير من الأحياء في مدننا مع الأسف؛ وكأنه جزء من العادات اليومية لبعض الناس.

يقف أحدهم بسيارته متكئًا على المقود؛ لا يكلف نفسه النزول ولا حتى استخدام الهاتف إن وُجد رقم للمحل؛ بل يكتفي بـ “زمور” طويل أو متقطع حسب ذوقه؛ يلفت به أنظار المارة ويزعج الساكنين؛ وكأن الشارع وهدوءه لا يعنيان له شيئًا.

هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك بسيط؛ بل تعكس نمطًا من اللامبالاة العامة؛ وعدم احترام النظام أو الآخرين. فـ “التزمير” المتكرر في الطرقات أمام المحلات يسبب إزعاجًا بيئيًا وضوضاءً لا مبرر لهما؛خصوصًا في الأحياء السكنية.

كما أنه مشهد يضع العامل في موقف محرج جداً؛ يضطر فيه الى ترك الزبائن داخل المحل والركض نحو السيارة؛ فقط لأن سعادة الزبون لا يرغب في النزول.

ومن الطرائف الممزوجة بالأسف أن بعضهم يأتي إلى المغسلة بثياب البيت؛ يلبس (سروال الحائلي) والفانيلة؛ ثم يبدّل ملابسه أمام الناس دون حياء أو مراعاة للذوق العام في وطننا الغالي؛ وكأن الأرصفة والطرقات أصبحت غرف تبديل.

مثل هذه التصرفات لا تعبّر عن البساطة بقدر ما تعبّر عن ضعف في تقدير المكان والزمان؛ وضعف في الثقافة العامة، وتُعبر عن غياب للوعي المجتمعي والسلوك الحضاري.

المجتمعات الراقية تُقاس بتفاصيلها الصغيرة؛ باحترام الفرد للمكان العام؛ ولحقوق الجيران والمارة.

لا أحد يُجبرك علىأن تتصنع؛ ولكن قليلًا من الذوق والاحترام لا يضر؛ أن تنزل من سيارتك لتشتري ما تريد أو لتسلم غسيلك ليس انتقاصًا من شأنك؛ بل هو سلوك حضاري يعبّر عن وعيك واحترامك للآخرين؛ أما إطلاق (البوري) أو تبديل الملابس في الشارع؛ فهما من مظاهر الفوضى التي تحتاج إلى مراجعة ونقد ذاتي جاد؛ بل إلى عقاب اجتماعي.

فالمجتمع المتحضر لا يُبنى بالقوانين فقط، بل بالأدب والسلوك الفردي والثقافة العامة، وبوعي كل فرد بأن الشارع ليس ملكًا خاصًا؛ وأن الذوق ليس ترفًا؛ بل واجبًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×