آل عبيدان يعزي الشاعر العوامي

عماد آل عبيدان

الحزن هو كف فارغة تَمُدُّ، فلا تجد يدًا تُصافحها، هو مقعدٌ ظل ساكنًا بعد رحيل الجسد، وصوت من الماضي يجيبك إذا تنادي الغياب.

في مثل هذا الفقد، تصبح الدموع لغة، ويغدو الشعر تعزية لنفس تجرعت رماد الوداع، ولقلب ما زال يلمس الوسادة بحثًا عن أنفاس غادرتها.

إلى شاعر الحرف السيد عدنان العوامي، الذي كتب وجعه فصار وجعنا جميعًا عظيم الأجر والصبر والسلوان، إنّا لله وإنّا إليهِ راجعون.

وجعُ الرحيل

يا سيِّدَ الحرفِ، يا مَن ضاقَ من كَمَدِ،
وصاغَ دمعًا يُغنِّي باسمِ مُفتَقَدِ.

الحُزنُ كفٌّ تَمُدُّ الجُرحَ من ألَمٍ،
وتستعيدُ بهِ وجْدًا منَ الأَبَدِ.

وصوتُ ماضٍ، إذا ناديتَ غائبَهُ،
أجابَ دمعًا على الذِّكرى بلا قَوَدِ.

ماذا تُغنِّي المآقي في توجُّعِها؟
والقلبُ يهوي على أنفاسِهِ بِيَدِ.

تبكي القوافي، وفي أنغامِها سَقَمٌ،
صِيغَتْ، فصارتْ صدى في غفلةِ الأمدِ.

يا مَن رثيتَ، وفي صدرِ العزاءِ لظًى،
يسري كريحِ الأسى في الروحِ والكبدِ.

يا مَن رثيتَ، وفي أنفاسِكَ اشتعلتْ
جمرُ الفجيعةِ في محرابِ متّقِدِ.

أواهُ يا سيّدَ الأحزانِ، يا عَلَمًا،
تُورِّثُ الحرفَ وَجْدًا نابضًا ونَدِي.

خمسٌ وستّونَ لا تُحصى، وقد حفرتْ
في القلبِ ذكرى الهوى والبذلِ والسَّنَدِ.

كانت يداها نسيمَ الأمنِ، ساكنةً،
وكنتَ دفءَ الرؤى في صَحوِها الخَلِدِ.

كانت يمينُكَ للإحسانِ مدرسةً،
تمدُّ للناسِ حبًّا خالصَ الجَلَدِ.

كانت يمينَكَ، لا تُبقي على وجَعٍ،
ولا تملُّ يدًا تُجزي على ضَمَدِ.

كانت يمينَكَ، بل كانت هوى سكنٍ،
وظلَّكَ الآمنَ المأمونَ في البَرَدِ.

كانت ربيعَكَ، لا تهوى سوى نَسَقٍ،
من الودادِ، إذا مالتْ إلى السَّرَدِ.

كانت نسيمَكَ، والأيّامُ مُرهَقةٌ،
فأيقظَتْ بينَ أضلاعِ الرُّجا رشَدِ.

الآن تمضي، وأشلاءُ الرؤى وجَلٌ،
تسعى إليكَ، وتستبقيكَ في خلَدِ.

الآن تمضي، وأحلامُ القوافي بَكتْ،
والشعرُ ضاعَ صدىً في موطنِ النَّشَدِ.

يا مَن تُنادي بقايا الحُلمِ: عودي بنا،
فالضوءُ نامَ، وأغفى في ذُرى الأَمَدِ.

يا مَن نداها على كفَّيهِ ذاكرةً،
كأنَّها الطفلُ لم يُفطِمْ من الأبدِ.

يا مَن بكاهُ، وفي أضلاعِهِ وجَعٌ،
يسقي الحنايا شُعاعَ الجمرِ في الكَبِدِ.

نامتْ، وما نامَ قلبٌ في هوى ولهٍ،
ولا استراحَتْ رؤاهُ، الحزنُ في الجُدُدِ.

مدّي يديكِ، خذيني، إنّني وَجَعٌ،
يسعى على الدربِ، مغلوبًا بلا أَحَدِ.

ما نفعُ عُمرٍ، بلا نجواكِ، تؤنسُهُ؟
وشاعرٍ يسكنُ الأطلالَ بالنَّكَدِ.

فالليلُ يسألُ عن عينيكِ؛ هل شهدتْ،
دمعَ الذي ظلَّ في الأجفانِ كالسُّهدِ؟

كم قلتِ: صبرَك، وارتدَّ الصدى ألمًا،
والصبرُ أوهى من الأنّاتِ في الجَسَدِ.

تغفو على صدرِكِ الأيّامُ في دَعَةٍ،
وتستفيقُ الأسى، والحزنُ مُلتَحِدِي.

ما زالَ في الأفقِ عطرٌ منكِ يسكنُنا،
يُسقَى الحنينُ، ويُروى صبرُ مُبتَهِدِ.

تُبقي المآذنُ في الأسحارِ نبرتها،
تدعو لروحِ النَّقا بالحُلمِ والسَّدَدِ.

قد كانَ حُضنُكِ دفءَ العمرِ في زمنٍ،
وأنتِ لي نسمةٌ في ليلِ مُعتَمِدِ.

من ذا يُعيدُ لقلبي نصفَ بسمتِهِ،
بعدَ الوداعِ، وعينُ القلبِ في رَمَدِ.

قولي لهُ: سيِّدٌ محزونٌ من وَجَعٍ،
يَبكي، وما طابَ دمعُ الجرحِ في الكَمَدِ.

قولي لهُ: إنَّ ما أبقَتْ فجيعتُها،
في العينِ يكفي لِدمعِ الأمَّةِ الغِيدِ.

يا سيِّدَ الشعرِ، إنَّ الدمعَ يكتُبُنا،
في كلِّ بيتٍ، وإنَّ الحُزنَ لم يَهِدِ.

وخُذْ عزاءَكَ من حُزنِ القصيدةِ إذْ،
ذابتْ على كفِّها، تُغريكَ بالوَجَدِ.

يا سيِّدَ الحرفِ، مكلومٌ، وأدري أنا،
لا يهدأُ الجرحُ، يا عدنانُ، من حَرَدِ.

نامتْ «بَتولُكَ»، والأيّامُ تُكملُها،
والحبُّ يرسمُها في ضوءِ مُرتَعِدِ.

نامتْ… وخلَّفتِ الدنيا على أملٍ،
يبقى لتحملَ عنها وجْدَ مُفتَقِدِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×