هل ألزهايمر هو السكري من النوع الثالث؟
ترجمة عدنان أحمد الحاجي
تقديم غسان علي بوخمسين، صيدلاني أول، مستشفى جونز هوبكنز
مقدمة
يعتقد العلماء بوجود ارتباط بيولوجي متزايد بين داء السكري (خاصة النوع الثاني) ومرض ألزهايمر؛ تُطرح فكرة أن ضعف استجابة الإنسولين في الدماغ (“مقاومة الإنسولين الدماغية” أو مصطلح غير رسمي «النوع الثالث من السكري») يسهّل تراكم بيتا-أميلويد وتحوّر بروتين تاو τ، الالتهاب والأذية الميتوكوندريا، ما يسرّع من تدهور الذاكرة.
أظهرت تحليلات منهجية واسعة، زيادة ملموسة في *احتمال* الإصابة بالزهايمر لدى مرضى السكري — تقريباً زيادة نسبية كبيرة (ما يصل إلى حوالي 1.3–1.6 مرة) أعلى مقارنة بغير المصابين — مع فروق حسب النوع العمري وضبط عوامل الخطر الوعائية. هذه دراسات ملاحظة قوية لكنها لا تُثبت السببيّة المطلقة.
دعم تجارب حيوانية ودراسات تصوير عصبي وبيولوجية أن مقاومة الإنسولين، تضعف أيض الغلوكوز الدماغي وتزيد من تراكم بروتينات مرض ألزهايمر.
بالرغم من أن الاعتراف بالنَّافَذة الأيضية كعامل احتمال متزايد مرتفع بين الباحثين، بيد أن الرأي متباين حول *السبب المباشر المستقل لمرض ألزهايمر. يحتاج المجتمع العلمي إلى تجارب معشاة كبيرة ومحدّدة تثبت أن تعديل الأيض يغيّر مسار المرض.
دراسات ملاحظة تربط بعض أدوية السكري (مثل، SGLT2 inhibitors) بانخفاض احتمال الإصابة بالزهايمر في تحليلات كبيرة، وبدأت
تركّز الأبحاث المستقبلية على مؤشرات حيوية لفصل الفئات المستجابة، تجارب معشاة طويلة الأمد لإعادة توجيه أدوية السكري، وتطوير علاجات تستهدف مقاومة الإنسولين الدماغية والتمثيل الغذائي الخلوي كاستراتيجية لتأخير أو منع ألزهايمر.
في الختام، نظرية ارتباط السكري بالزهايمر تعطي أهمية إضافية ومضاعفة، لتعليمات الوقاية المبكرة من أجل الحيلولة دون تطور مرض السكري، والتحكم به بعد الإصابة ومنع حصول المضاعفات الخطيرة الناتجة عنه.
نص الدراسة
تتناول المقالة فكرة أن مرض ألزهايمر هو أحد أشكال داء السكري من النوع الثالث. وتُسلّط الضوء على العلاقة بين داء السكري ومرض ألزهايمر، مشيرةً إلى أن اضطراب عملية استقلاب الجلوكوز في الدماغ قد يكون عامل أساس في مرض ألزهايمر. كما تُشير المقالة إلى أنه بالرغم من أن مفهوم داء السكري من النوع الثالث واعد، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان بإمكانه أن يحل محل المفهوم الحالي لمرض ألزهايمر [بمعنى أن الدراسات الأولية أثبتت أن هذه الفكرة قد تساعد في تفسير مرض ألزهايمر أو علاجه، لكن ما زالت هناك حاجة إلى أدلة أقوى].
هل يُمكن تعريف مرض ألزهايمر بدقة أكثر على أنه داء السكري من النوع الثالث؟ لقد ترسخت خلال العقد الماضي فكرة أن اضطراب عملية استقلاب الجلوكوز في الجهاز العصبي المركزي قد يكون السبب الرئيس لمرض ألزهايمر، وليس أثرًا جانبيًا له، (1).
تصنيف مرض ألزهايمر على أنه داء السكري من النوع الثالث لن يعكس فقط رؤية جديدة في الفيزيولوجيا المرضية، بل سيفتح أيضًا آفاقًا جديدة لاستراتيجيات علاجية ممكنة.
ما الأدلة التي تدعم تسمية مرض ألزهايمر الجديدة هذه؟
مرض ألزهايمر وداء السكري من النوع الثاني
هناك بالفعل علاقة مثبتة علميًا بين مرض الزهايمر وداء السكري من النوع الثاني (2).
تؤدي التغيرات الأيضية الناجمة عن داء السكري إلى تضرر أو تلف تأكسدي والتهاب (3)، مما يؤدي إلى تضرر أو تلف البروتين وموت الخلايا العصبية (العصبونات) في الجهاز العصبي المركزي، مما يُؤدي في النهاية إلى الإصابة بمرض ألزهايمر. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك رابط جيني مشترك (4) يُهيئ بعض المرضى للإصابة بكل من داء السكري من النوع الثاني ومرض ألزهايمر (5).
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة مراجعات أبحاث الشيخوخة (6) Aging Research Reviews، “كان يُعتقد أن الدماغ نسيج غير حساس للأنسولين، (7)”، وكان يُعتقد أن الرابط بين داء السكري من النوع الثاني ومرض ألزهايمر يكمن في تضرر (مرض) وعائي (8) أو التهابي (بسبب مرض أو ضرر) (9) أو اضطراب أيضي (يؤدي إلى بطء عملية الاستقلاب) في الدماغ يحدث نتيجةً لاضطراب أيض الجلوكوز الجهازي (10, 11).
ومع ذلك، وكما تُشير الدراسة، فإن الاعتقاد السائد والمعاصر هو أن الدماغ حساس للأنسولين بالفعل، وهو مفهوم يدعمه وجود مستقبلات على الخلايا العصبية والخلايا الدبقية، مثل مستقبلات GLUT-4 وIGF-1، المعنية بامتصاص الجلوكوز واستقلابه في الدماغ. كما أفاد المؤلفون بأهمية الأنسولين “لوظائفه المهمة في تكوين الشبكات العصبونية (12)، واللدونة المشبكية (13)، وتكوين التغصنات العصبونية (14)، وتخليق وتخزين وإفراز النواقل العصبية (15)، وبقاء الخلايا العصبية حية وتقوم بوظائفها، وتنبيغ الإشارة (16)، ووظيفة الذاكرة [القدرة على استقبال وتخزين، ثم استرجاع المعلومات والأحداث].”
يدّعي مؤيدو نظرية داء السكري من النوع الثالث أنه من المرجح أن تثير التأثيرات المختلفة للأنسولين في الدماغ، إلى جانب التغيرات في استقلاب الجلوكوز في الجهاز العصبي المركزي، التغيرات الأخرى التي نلاحظها في مرض ألزهايمر: تراكم بروتينات تاو وأميلويد بيتا، وضمور الحصين، واضطراب التواصل العصبي.
الجينات التي تحلل الجلوكوز وأدوية داء السكري
هناك أدلة على وجود علاقة بين الجينات التي تتحكم في تحلل الجلوكوز [الجينات التي تنتج الإنزيمات التي تحلل الجلوكوز (17)] في الدماغ نفسه ومرض ألزهايمر. في الدراسة التي نشرت عام 2025 في مجلة داء السكري والسمنة والأيض (18)، وجد الباحثون أن الكثير من الجينات المعروفة بتنظيم عملية تحلل الجلوكوز قد انخفضت مستوياتها بالتوازي مع التدهور الإدراكي وشدة تراكم بروتينات تاو. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع مستوى بروتين إصبع الزنك 2 [وهو بروتين ينظم عملية نسخ المعلومات الوراثية من الحمض النووي، وهو مثال معروف لعامل النسخ الذي يستخدم هياكل تشبه إصبع الزنك لتنظيم الجينات، وخاصة تلك المنخرطة في تطوير المبايض] (19)، والذي يثبط نسخ الجينات المرتبطة بتحلل الجلوكوز، في مرض ألزهايمر، وارتبط أيضًا بزيادة تراكم بروتينات تاو وانخفاض نشاط جينات تحلل الجلوكوز في الدماغ
تفيد البيانات أيضًا إلى انخفاض مستويات مرض ألزهايمر لدى الذين يتعالجون بأدوية السكري. وقد أوضحت دراسة حديثة نُشرت في مجلة الخلية Cells كيف يمكن للميتفورمين أن يقي من الأمراض العصبية التنكسية (20)، بما في ذلك مرض ألزهايمر. ويشير المؤلفون إلى أن الدواء يعمل على حفظ الخلايا العصبية من الفقدان بمرور الزمن (21، 22) وذلك من خلال “آليات تتجاوز التحكم في مستوى الجلوكوز، بما في ذلك الحد من الالتهاب العصبي، وتثبيط نشاط الخلايا الدبقية الدقيقة (23)، والوقاية من أو منع الإجهاد التأكسدي (24)، وتقوية الحاجز الدموي الدماغي (25).”
وفقًا لدراسة رصدية على مجموعة [دراسة رصدية على مجموعة من عامة السكان يشتركون في نفس الخصائص لمعرفة المخرجات الصحية] نُشرت في مجلة مرض ألزهايمر (26) في 2025، احتمال اصابة مرضى السكري، الذين يستخدمون دواء السيماغلوتايد (الاسم التجاري له هو أوزمبيك ورويبلسيس] بمثابة علاج للسكري، وهو مُنَبِّه لمستقبلات الـ GLP-1 – بالزهايمر أقل بكثير مقارنةً بالمرضى الذين يستخدمون أدوية أخرى لعلاج السكري، بما فيها الميتفورمين والأنسولين.
بيد آن هذه الدراسات لم تتناول بالبحث ما إذا كان مرض ألزهايمر مرتبطًا باضطراب استقلاب الجلوكوز في الدماغ، أو ما إذا كان هذا المرض التنكسي العصبي مرضًا مصاحبًا لمرض السكري من النوع الثاني أو نتيجة له. كما أننا لا نعرف ما إذا كان استخدام أدوية السكري من قبل المعرضين لاحتمال الإصابة بمرض الزهايمر غير المصابين بالسكري استخدامًا آمنًا.
هل وصلنا إلى فكرة أن ألزهايمر يعد مرض سكري من النوع الثالث؟
بناءً على الأدلة المتوفرة، لسنا مستعدين تمامًا للتحول من مفهوم مرض ألزهايمر إلى مفهوم داء السكري من النوع الثالث. الكثير من مرضى ألزهايمر لم يُشخَّصوا (لم يصابوا) قط بمرض السكري، حتى في المراحل المتأخرة من هذا المرض التنكسي العصبي (الزهايمر).
تكمن قيمة مفهوم داء السكري من النوع الثالث في أنه يفتح آفاقًا جديدة للدراسات وتطوير العلاجات. حتى الآن، ركزت استراتيجيات علاج ألزهايمر على وقاية الخلايا العصبية من الفقدان والحد من تراكم بروتين تاو، وأميلويد بيتا. إلا أنها لم تُحقق نجاحًا بعد (27).
السؤال الرئيس المطروح هو عما إذا كان لمرض ألزهايمر، وهو حالة شائعة تُشخَّص في المرضى بناءً على الأعراض السريرية، سبب واحد فقط يُمكن أن يُفسر التغيرات في الدماغ. تبنت بعض النظريات نظرية الأمراض متعددة العوامل (التي تجتمع العوامل الوراثية مع العوامل البيئية) (29)، والتي قد تشمل الإجهاد الانفعالي [استجابة سلبية لحالات تنطوي على انفعالات، مثل الغضب والحزن والخوف، وما إلى ذلك]، والعوامل التغذوية [تشمل هذه العوامل العناصر الغذائية الأساسية مثل الكربوهيدرات والبروتينات والدهون والفيتامينات والمعادن والألياف والماء، والتي يحتاجها الجسم لتوليد الطاقة والوظائف الحيوية]، وتدهور الصحة العامة، أو العوامل الوراثية باعتبارها “المثيرات للتغيرات في الدماغ.” إذا كان اضطراب تنظيم الجلوكوز مثيرًا لهذه التغيرات، فقد يساعدنا ذلك على التشخيص المُبكر لمرض التنكس العصبي (ألزهايمر).، وبالتالي درء أو تأخير الإصابة به
بالرغم من أن جزءً كبيرًا من العلاج حتى الآن يرتكز على إستئصال البروتينات المتراكمة المرتبطة بمرض ألزهايمر من الدماغ، فإن الهدف النهائي يتمثل في معرفة الطريقة التي تمكننا من منع تراكم هذه البروتينات من البداية.
ــــــــــــــــــــــــــ
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://jamanetwork.com/journals/jama/article-abstract/2758712
2- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC4360697/
3- https://www.sciencedirect.com/topics/materials-science/oxidative-damage
4- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/38396891/
5- https://emedicine.medscape.com/article/117853-overview
6- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1568163724002010?via=ihub
7- https://emedicine.medscape.com/article/2089224-overview
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/مرض_وعائي
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/التهاب
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/أيض_الكربوهيدرات
11- https://www.sciencedirect.com/topics/medicine-and-dentistry/glucose-metabolism
12- https://ar.wikipedia.org/wiki/شبكة_عصبونية_حيوية
13- https://ar.wikipedia.org/wiki/لدونة_مشبكية
14- https://en.wikipedia.org/wiki/Dendrite
15- https://ar.wikipedia.org/wiki/نقل_عصبي
16- https://ar.wikipedia.org/wiki/توصيل_الإشارة
17- https://ar.wikipedia.org/wiki/تحلل_الجلوكوز
18- https://dom-pubs.pericles-prod.literatumonline.com/doi/10.1111/dom.16641
19- https://reference.medscape.com/drug/galzin-zinc-344449
20- https://www.mdpi.com/2073-4409/14/14/1064
21- https://ar.wikipedia.org/wiki/وقاية_عصبية
22- https://emedicine.medscape.com/article/1916852-overview
23- https://ar.wikipedia.org/wiki/خلية_دبقية_صغيرة
24- https://ar.wikipedia.org/wiki/إجهاد_تأكسدي
25- https://ar.wikipedia.org/wiki/حاجز_دموي_دماغي
26- https://www.ajmc.com/view/semaglutide-linked-to-lower-dementia-risk-in-type-2-diabetes
27- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/35342092/
28- https://www.who.int/ar/news-room/questions-and-answers/item/stress
29- https://ar.wikipedia.org/wiki/أمراض_متعددة_العوامل
المصدر الرئيس
https://www.medscape.com/viewarticle/should-we-think-alzheimers-disease-type-3-diabetes-2025a1000l05