المكان الخالي من سلمان.. الصفواني

عدنان هاشم السادة

حين يكون الفقد نافذة للروح نستلهم الذكريات مع الراحلين وتبقى ذكراهم ناقوساً يدق.

هكذا يكون فقد الأحبة.

أما حارس الحياة سلمان آل سلمان فلرحيله لون آخر من الفقد، كفقدان البحر مثلاً، كونه معروفاً عند جميع سكان مدينة صفوى، الوفي الذي تستأمنه على قبور أحبابك يقوم بتعديل هذا القبر ورش الماء على ذاك، وانت في حالة حزن عميق.

يلف الحزن ثعبانه حول عنقك وتكون في حالة من الضعف والإنكسار، تأبى الأيام أن تدعك تتعوده، فإذا بـ “أبي فاطمة” أمامك بابتسامته المعهودة.. 
فتقول في داخلك لاتحزن؛ ما زالت الدنيا بخير.. هذا رحل الرجل البسيط الكبير، تاركاً مكانه خالياً في مقبرة المدينة..

الشاهد على الأحزان

ياسر آل خميس، واحدٌ من المهتمين بصفوى، وتراثها، وإنسانها.. واحدٌ من كثيرين تأثروا برحيل الرجل.. وقد رثاه بشجو وحزن فكتب “أيها الشاهد على أحزان الفاقدين.. فقدناك.

لم اجد من هو اكثر عنصرية من التأريخ، لتكبره على فئة البسطاء، والعوام، فلا يسلط الضوء عليهم، بقدر ما يسلطه على النخبة، من الأدباء، والشعراء، والعلماء، والفقهاء، والسياسيين، والعسكر. فيبقى من غيرهم مهمشين، يمر – بعضهم – على الذاكرة مرور الخواطر المبعثرة. ومنهم من يمرون بها طيفاً جميلاً عابراً حتى يتلاشى مع الزمن، فيصبح نسياً منسيا. وهناك من يحتل في الوجدان الشعبي مكاناً واسعاً، فيغدو جزءاً من ذاكرة الزمان والمكان، كالمرحوم سلمان آل سلمان (أبو فاطمة).
وأبو فاطمة؟ وما أدراك من أبو فاطمة! إنه ذكرى الطفولة البريئة، الواعظة بالموت.
كان الفقيد السعيد جزءاً من ذاكرة الزمان في الوجدان الشعبي لأبناء جيل الخمسين في مدينة صفوى المحروسة. فقد عرفوه انيساً لطفولتهم عندما كان مشرفاً على باص روضة الأطفال في النصف الثاني من سبعينيات القرن الميلادي الماضي.
كما أنه جزء من ذاكرة المكان، لأنهم عرفوه شاهداً على أحزان المفجوعين بفقد ذويهم، لجلوسه الدائم عند باب المقبرة، يعين الأحياء بـ(أغراش) ماء الورد على الوفاء لموتاهم، حتى غدا اليوم قبراً من القبور. فإنا لله وإنا إليه راجعون”.
كلنا رايحين
أما الأخت ام غازي الداوود؛ فقد علّقت بنبرة حزينة “نعم المؤمن البسيط الخلوق، تعاملت معه أكثر من ثلاث واربعين عاما كان حريصا على إرضائي ويؤدي ما اطلب منه على أكمل وجه ولم يحصل بيننا طوال هذه الأعوام أي خلاف. أقول له عندما يبدو عليه التعب ليش ما تتعالج بعدين يصير فيك شي..؟

فيرد وهو منهمك في عمله أو مع أحد الزبائن: كلنا رايحين ويش بتاخذ من ها الدنيا.

كان متعب آخر مرة لقيته فيها واعتذر بخجل وكأنه كان يجر رجله لألم فيها فدعوت له وانصرفت.

قليل الكلام

المهندس جعفر آل عبد الباقي تحدث عنه أيضاً “من تعاملي المحدود معه عرفت انه خيّر جدا و قليل الكلام.
لم أره يوما عابساً او محتداً مع احد. هادئ و لم يؤذِ أحداً في حياته بل على العكس، يتحمل من يتعدى عليه إلى أبعد الحدود.
الصوره في ذهني له هي ابتسامته الخفيفه و ميلان الراس رحمه الله.

صورة الغائب

السيد حسين السادة يقول “هناك أشخاص محببون الى القلب، ابتسامتهم المشرقه على محياهم دائما رغم ظروفهم الصعبة والحياة التي أنهكتهم ورسمت آثارها على وجوههم، الا انهم ببساطتهم ورقي أخلاقهم جديرون بالإحترام والتقدير.

هكذا كان المرحوم سلمان، واتمنى من القائمين على المقبره وضع صورة له عند المدخل الرئيس للمقبرة احتراماً لذكراه في قلوب محبيه، وتذكيراً بالدعاء له وللمؤمنين بالرحمه والمغفرة.

جُمعة بلا سلمان

مشاعر راقية عبر عنها علي طالب السادة في رثائه للمرحوم شعراً، وقد جاء فيه: 

بابَ القبورِ ومقعد الأشجانِ
هي جُمعةٌ أولى بلا سلمانِ.

يبكيك سُورٌ قد أحاطَ أحبةً
حتى احتواكَ فكان كالأجفانِ

فكم اؤتُمِنتَ على قبورِ أحبةٍ
حتى غدوتَ لِرَوضِها بُستاني

في وجهٍكَ السَّمِحُ ابتِسامةُ مُوجَعٍ
تعلو بِها دراجةَ الأحزانِ

حبَكَت تجاعيدُ الزمانِ حكايةً
أن السموَّ بساطةُ الإنسانِ

و الفخرُ أن تُمضِي الحياةَ مُكافِحا
إن الخُطُوبَ مراكِبُ الفُرسانِ

لم يُثنِهِ مرضٌ و لا لم يُبقِهِ
وجعُ السنينِ و بُردةُ الحِرمانِ

يا ماءَ وردٍ يا شذا ريحانةٍ
يا طيبَ يا (نشميَّ) يا صفواني

من للأحِبةِ بعدَ يومِكَ حارساً
لما غدوتَ لهم من الأقرانِ

فإن مدحتُك حار دونكَ خاطِري
و إن رثيتُك حار فيكَ لساني

………..
رحم الله من أهدى ثواب سورة الفاتحة إلى البسيط الكبير الذي ارتبطت ذكراه بمقبرة صفوى، وهو الآن من ساكنيها.
جعل الله مثواه الجنة و مآله في زمرة محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×