شيخ مُصوّريْ القطيف عثمان أبو الليرات في غيبوبة وثّق مراحل التحولات الكبيرة في المحافظة منذ ستينيات القرن الماضي

القطيف: صُبرة
في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بالهفوف؛ يرقد شيخ مصوّري القطيف عثمان أبو الليرات في غيبوبة دخل فيها منذ مساء البارحة، في انتكاسةٍ صحية أصيب بها، وذلك بعد أسبوع من إجراء عملية دقيقة في الأوردة.
وقال ابنه المصور الفوتوغرافي عليّ أبو الليرات إن والده كان قد نُقل عاجلاً من القطيف إلى الأحساء، قبل أسبوع، بعد إصابته بجلطات متعددة، وقد خضع لعلاج ما بعد العملية، إلا أن وضعه انتكس البارحة، ودخل الغيبوبة.
ويمثّل “الحاج عثمان” رمزية مهمة في محافظة القطيف، ليس بوصفه أقدم مصوّر فوتوغرافيّ في المحافظة فحسب، بل بفضل الأرشيف البصري الضخم الذي صنعه في توثيق التحولات الكثيرة التي مرّت بها محافظة القطيف، منذ ستينيات القرن الماضي.
وقد تحوّلت صوره التي تجاوزت الآلاف إلى وثائق عمرانية وسكانية وبيئية، نُشر الكثير منها عبر الصحافة، ثم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد تبنّي ابنه “علي” مسؤولية النشر الإلكترونيّ.
ابن قلعة القطيف
لأنها مسقط رأسه؛ استمرّت في ذاكرته حتى بعد أن غادرها شابّاً إلى حيّ خارجها.. ولأنها مسقط قلبه؛ وثّق فوتوغرافياً تفاصيل إزالتها قبل قرابة 40 سنة. ولأنها مهدُ روحه؛ صنع لها مجسّماً متكاملاً. إنه عثمان بن علي بن عبدالله أبو الليرات.. الفوتوغرافيّ.. النجّار.. وإنها قصة قلعة القطيف التي يُخبّئها في بيته، ويُخرجها في الفعّاليات، لا ليستعرضها فحسب، بل ليقول للناس إنه يعيد كتابة تاريخها على طريقته..!
بائع گاز..!
بدأ “حجّي عثمان” حياته في قلعة القطيف؛ وساعد والده في بيع الكيروسين “الگاز” داخل أحياء “القلعة”. ومن تجوالهِ اليوميّ في إيصال براميل الكيروسين إلى الناس؛ خَبَرَ تفاصيل التفاصيل. وعرف كل “زرنوق” و “ساباط” و “عايُرْ”؛ حفظ أبواب البيوت، وانتبه إلى الـ “درايش”، وانطبعت في حافظته حتى الـ “عناصيص” التي يتعثّر بها الناس..!
ومن بيع “الگاز” جمع وحيد والديه ـ عثمان ـ أرباع الريالات، ربعاً بعد ربع، إلى أن وصل المبلغ إلى 20 ريالاً. وهو المبلغ الذي أمّن به ثمن أول كاميرا تصوير اقتناها في حياته، ليتحوّل “بائع الگاز” إلى فوتوغرافيّ علّم نفسه بنفسه، خاصّة أن الكهرباء وصلت إلى القطيف سنة 1961م، ولم تعد بضاعته رائجةً، كما كانت من قبل.
ومن محاولات تقليد الأمريكان الذين يجولون في القطيف ويصوّرون معالمها؛ كوّن عثمان الليرات ثروة بصرية هائلة، قُوامها عشرات الألوف من صور وثّقت القطيف في مراحل متتالية من التحوّلات.. وحين أزيلت قلعة القطيف، سنة 1402هـ، كان عثمان الليرات واحداً من أهمّ الشهود على توثيق تلك الإزالة التاريخية..!
المصور.. النجار
وإلى جانب هواية التصوير؛ احترف “عثمان” النجارة طيلة حياته، خاصة بعد انتقاله من مسقط رأسه “القلعة” إلى حيّ “باب الساب”. وحين قارب سن الـ 70؛ قرّر إعادة كتابة تاريخ قلعة القطيف التاريخية على طريقته كنجّار. وبحسّ فطري وفني نفّذ تصميماً مصغّراً ظهرت فيه أهم معالم قلعة القطيف: سورها، أبراجها، مسجدها، مبانيها الحكومية، وبيوت سكانها، الدرويشية.. براحة الخيل.. مبنى اللاسلكي.. مدرسة الحسين بن علي.. الدراويز.. برج العلم.. وصولاً إلى الفرضة، حيث تتصل القلعة التاريخية بالبحر..!
وقد أمضى عثمان أبو الليرات 4 سنوات في صناعة المجسم، وأعمل ذاكرته التي تكوّنت مذ كان يبيع “الگاز” في أحيائها، وربط عمله بمرعى لعبه ولهوه مع نُظرائه من أبناء القلعة، وقبل ذلك؛ حرّكه قلبه وشجنه وخطواته الأولى في مسقط رأسه.
شاهد الفيديو
علم
وبفضل التراث المتراكم الخاص بعثمان أبو الليرات؛ انضمّ إلى قائمة أعلام القطيف لسببٍ يكاد يكون وحيداً، هو صداقته مع الكاميرا منذ بداية شبابه. ولهذا السبب تناثر نتاجه الفوتوغرافيّ في وسائل التواصل في المحافظة.
وهنا نحن نشاهد القطيف على مراحل عقود متتالية، بفضل تلك الرغبة التي أدمنها “عثمان”؛ وبذل لها وقته.. القطيف في الستينيات.. القطيف في السبعينيات.. القطيف في الثمانينيات.. معالم كانت موجودة.. مشاهد اختفت.. أحياء حلّت محلّ بساتين.. شوارع في بدايات تخطيطها.. لوحات محلات.. مؤسسات.. عالمٌ بصريٌّ لا يتوقّعه جيل التصوير الرقمي.. كلُّ ذلك صنع منه النجّار توثيقاً بات جزءاً من تاريخ العمران في القطيف..!
دعانا لك بالشفاء العاجل، واليمن الله عليك بالصحة و العافية فهو على كل شيء قدير
قامة قطيفي لها مكانتها و إحترامها من الجميع
عافاه الله وشافاه من كل شر