الجنس والمنبر… إشكالية الخطاب والمخاطب

منتظر الشيخ
عاد أحد أصدقائي من كندا مصطحبًا أبناءه، بعد أن ضاق صدره من المنهج التعليمي في مدارس أونتاريو الذي يدرّس مفاهيم متعلقة بالتربية الجنسية (Sex-ed) لطلاب الصف الخامس وما فوق. قرار الهجرة العكسية كان – حسب تعبيره- “حفاظًا على براءة أطفاله”، وهروبًا من منظومة تعليمية يرى أنها تتعمد تقويض البنية الأخلاقية التقليدية للأسرة.
غير أن ما لم يكن في حسبانه، هو أن يعود إلى وطنه ليواجه المشكلة ذاتها، ولكن من منبر الحسين. لم يكن يتصور أن يجد أحد خطباء المنبر الحسيني يتناول في محاضراته موضوع “الشذوذ الجنسي”، ويغوص فيه بتفاصيل وصفية لا تقل جرأةً عمّا كان يهرب منه في مدارس كندا. يقول صديقي، إن التفاصيل التي ذُكرت خلال ثلاث ليالٍ متتالية لم تكن فقط فوق مستوى استيعاب أطفاله، بل كانت، في رأيه، مثيرة لفضول المراهقين للبحث عن تلك المصطلحات في “السوق السوداء” الإنترنت.
هذا الموقف يطرح إشكالية لا يمكن القفز فوقها:
هل المنبر هو الفضاء المناسب لنقاش قضايا من هذا النوع؟ وهل رجل الدين هو المؤهل بالضرورة للغوص في مناطق شائكة تتطلب معرفة نفسية واجتماعية وطبية وقانونية؟
*بين كندا والمنبر… من يحدد العمر المناسب؟*
تُقدَّم التربية الجنسية في كندا وفق منهج يخضع لمراجعة دورية من مختصين في علم النفس، التربية، القانون، والطب. وتُقسَّم المواد حسب المراحل العمرية بما يتناسب مع قدرة الطفل على الاستيعاب. أما في المنبر الحسيني، فإن جمهور المستمعين غالبًا ما يكون خليطًا غير متجانس من أطفال ومراهقين وشباب وشيوخ ونساء، يُخاطَبون بنفس الأسلوب والمحتوى، وكأنهم جمهور واحد بعقل واحد وسقف فهم موحد.
النتيجة؟ أن الطفل يسمع دون أن يفهم، والمراهق يسمع فيفهم نصف الحقيقة، ويتخيل النصف الآخر، أما الكبير فقد يدرك المقصد لكنه يدرك معه خطورة السياق.
لا شك أن الشذوذ الجنسي وتوابعه من المواضيع التي تحتاج إلى مقاربة دينية، لكن هل يكفي البعد الفقهي لإدراك التعقيد الكامل لهذه الظاهرة؟ ألا تتطلب فهماً نفسياً واجتماعياً وبيولوجياً؟ وهل يملك كل رجل دين هذه الأدوات، أم أن بعضهم يكتفي بفتوى أو نص تاريخي، ثم يبني عليه بناءً وعظياً قد يهدم أكثر مما يبني؟
حين ينوب رجل الدين عن الطبيب والمعالج النفسي والمشرّع والباحث الاجتماعي، فإن الخلل لا يكون في نواياه، بل في غياب التخصص والتأهيل. والمشكلة لا تكمن في الحديث عن الموضوع، بل في طريقة طرحه، وسياق الطرح، والجمهور المتلقّي.
المنبر الحسيني ليس مجرد منبر وعظ، بل هو منصة وعي تاريخية. لكن أليس من واجب هذه المنصة أن تُعيد النظر في جمهورها، في أدواتها، في لغة خطابها؟ أليس من الضروري أن تُفكّك طبيعة جمهورها، وتصنّفه، وتخاطب كل فئة بما يناسبها، خصوصًا حين تكون المواضيع على هذا القدر من الحساسية؟
إن إحالة كل شيء إلى رجل الدين، سواء في أمور السياسة أو الاجتماع أو الطب أو الجنس، هو شكل من أشكال التبسيط المخل. وإن إعفاء الاختصاصي من دوره، وتسليم مفاتيح الوعي الجمعي لخطيب منبر، مهما بلغ إخلاصه، هو مجازفة لا يمكن تبريرها باسم الغيرة الدينية أو الدفاع عن الأخلاق.
في الختام…السؤال الحقيقي ليس: “هل من حق رجل الدين أن يتحدث عن الشذوذ الجنسي؟” بل: “هل يمتلك الأدوات لفعل ذلك دون أن يُربك وعي الأطفال، أو يثير فضول المراهقين، أو يختزل الظاهرة في جملة وعظية؟”
صديقي الذي عاد من كندا خوفًا على أطفاله، أدرك بعد أيام من محرم أن التربية لا تُختزل في مكان، ولا تُحمى بالهروب، بل تُبنى بالحكمة، والاختصاص، واحترام عقول المستمعين… صغارًا وكبارًا.
هي هذي العباره فقط من الموضوع كله من يصعد المنبر عليه ان يحترم عقول المستمع له.
الكاتب يحب الصجة ويختار عناوين مستفزة للناس