في إنجاب طفل.. صحتك ضرورية كصحة زوجتك

4 يونيو، 2025آخر تحديث: 4 يونيو، 2025

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

تدرك الكثير من الحوامل أهمية العناية بصحتهن – حتى قبل أن ينعقد حملهن. صحة الأم ونمط حياتها خلال فترة ما قبل الحمل (الفترة التي تسبق الحمل) (1) لا تتعلق بصحتها أثناء الحمل فحسب، بل أيضًا بمدى صحة الطفل طوال حياته (2).

ولكن يدّعي مقطع فيديو انتشر مؤخرًا على تيك توك أن صحة الأب في فترة ما قبل الحمل لا تقل أهمية حين يتعلق الأمر بالهناء النفسي للطفل ونتائج حمل الأم سواء أكانت إيجابية أو سلبية.

في الفيديو، يقول الشاب إنه يعتقد أن الرجال يجب أن يقضوا الأشهر التسعة قبل محاولة إنجاب أطفالهم حتى يصلوا إلى “أفضل شكل جسم في حياتهم.” ويؤكد أن تسمم الحمل والوحام له علاقة بالرجل. كما يدّعي أن 50 إلى 60٪ من التركيب فوق الجيني (3) للطفل يأتي من الأب. [فوق الجينية هي التغيرات القابلة للوراثة والثابتة في التعبير الجيني والتي تحدث من خلال التغيرات في الكروموسوم لا في تسلسل الحمض النووي (4). انظر أيضًا أدناه معلومات إضافية عن فوق الجينية].

بالرغم من وجود الكثير من الشكوك في التعليقات على الفيديو، إلا أن هذه في الواقع حالة نادرة حيث تكون معظم الادعاءات المتعلقة بالصحة التي ينشرها المؤثرون على تيك توك مدعومة بأدلة علمية.

تُثبت الأبحاث أن نمط حياة الرجل خلال فترة ما قبل الحمل يقترن اقترانًا لا لبس فيه باحتمال وجود مخرجات حمل سلبية لدى شريكة حياته (مضاعفات الحمل والولادة (5)]، وكذلك بصحة الطفل (6، 7).

على سبيل المثال، وجدت دراسات علاقة بين صحة الأب ونمط حياته خلال فترة ما قبل الحمل واحتمال إصابة الحامل بما قبل تسمم الحمل (8). وهي حالة طبية شائعة وخطيرة يمكن أن تحدث في منتصف الحمل تقريبًا. يسبب ما قبل تسمم الحمل ارتفاع ضغط الدم، والتورم، والصداع، وضبابية في الرؤية.

وجدت الدراسة أن هناك علاقة وثيقة بين الأب المصاب بأمراض مزمنة خلال فترة ما قبل الحمل (وخاصةً الاضطرابات الأيضية (9)، مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم) واحتمال إصابة شريكة حياته لاحقًا بما قبل تسمم الحمل أثناء فترة الحمل. كما وجدت الدراسة انخفاضًا في احتمال إصابة الطفل، الذي مارس أبوه تمارين رياضة بانتظام قبل حمل زوجته (10)، بعيوب خلقية. إلا أن الأب الذي يدخن سجائر أو لديه زيادة في الوزن [الوزن الزائد حين يصبح وزن الجسم ضمن نطاق مؤشر كتلة جسم BMI أعلى أو يساوي 25] خلال فترة ما قبل الحمل كان أكثر احتمالًا لإنجاب طفل مصاب بعيوب خلقية (11). كما وُجد أن أطفال الآباء الذين دخنوا في الأشهر التي سبقت الحمل كانوا أكثر احتمالًا للإصابة بالسرطان حتى لو كانت أمهاتهم من غير المدخنات (12).

يلعب سن الأب دورًا أيضًا، كما هو الحال بالنسبة للأمهات. فالأطفال المولودون لآباء بسن 45 سنة فأكثر خلال فترة ما قبل الحمل، احتمال ولادة أمهاتهم بهم ولادة مبكرة أو بوزن منخفض وارد (13).

نمط الحياة وفوق الجينية

مفهوم فوق الجينية يُعد أساسيًا لفهم مدى ارتباط صحة الأب خلال فترة ما قبل الحمل بمخرجات حمل زوجته وصحة طفله.

فوق الجينية تتعلق بتغيرات (تعديلات) تطرأ على الجينوم، لكن لا تُغيّر الشفرة الجينية. بل يتعلق بكيف تُقرأ الجينات، وأيها تُفعَّل أو تُعطَّل، ومتى تُفعَّل أو تُعطَّل.

تُمثّل فوق الجينية (14) علاقة بين الجينات وعوامل البيئة والسلوك. مختلف العوامل البيئية ونمط الحياة، بالإضافة إلى الأمراض وحتى الأدوية الموصوفة، قد تُسبب تغييرات فوق جينية. يمكن أن تُؤدي جميع هذه التغييرات إلى تعزيز (تفعيل) وظيفة جينات مُعيّنة، وتعطيل جينات أخرى كليًا أو جزئيًا.

مع أن نسبة بسيطة جدًا من التغيرات الجينية في الجنين تأتي مباشرةً من الأم أو الأب، إلا أن هذه التغيرات قد تؤثر بشكل معتبر في نمو الطفل وصحته. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن ادعاء ناشري مقطع الـ تيك توك المذكور أعلاه بأن 50 إلى 60% من تركيب الطفل فوق الجيني يأتي من الأب هو ادعاء غير صحيح.

هناك الآن أدلة دامغة تشير إلى أن العوامل المرتبطة بنمط الحياة (مثل التدخين والتوتر النفسي المزمن وارتفاع نسبة السكر في الدم) والأمراض (مثل السمنة) قد تؤدي إلى تغيرات فوق جينية في الحيوانات المنوية تؤثر في وظائف المشيمة. هذه التغيرات فوق الجينية في وظيفة المشيمة قد قُرنت باحتمال الإصابة بما قبل تسمم الحمل (15، 16) وصحة الطفل ونموه لاحقًا (17). كما أثبت عملي البحثي (الكلام للمؤلف) أن الحيوانات المنوية المصابة بخلل في الكروموسومات (وهي مشكلة مرتبطة بما فوق الجينية) يمكن أن تضاعف احتمال الإصابة بما قبل تسمم الحمل وانخفاض وزن الطفل عند الولادة (18). كما اقترنت الكثير من عوامل نمط الحياة (19) نفسها التي تُسبب نفس التغيرات فوق الجينية في الحيوانات المنوية والتي تؤثر في وظيفة المشيمة بزيادة احتمالية حدوث تجزؤ الكروموسومات وبقائها بشكل قطع غير قادرة على الاندماج مع مثيلتها (20). قياس تجزؤ الكروموسومات في الحيوانات المنوية قد يوفر طريقة سهلة وسريعة لتحديد حالات الحمل عالية الخطورة.

إذن، ماذا يمكننا فعله حيال هذه المشكلة؟

للأسف، بالرغم من العلاقة التي لا لبس فيها بين صحة الأب في فترة ما قبل الحمل ومخرجات الحمل والصحة المستقبلية للطفل، إلا أننا نفتقر إلى وجود دراسات تُثبت بوضوح لا لبس فيه أن تغيير نمط الحياة أو تحسين إدارة الأمراض المزمنة له تأثير إيجابي في هذه المخرجات.

ومع ذلك، حتى لو لم تُثبتْ هذه العلاقة بعد، أعتقد أننا نتفق مع الرسالة التي تناولها مقطع تيك توك المذكور أعلاه، الإقلاع عن التدخين (21)، وعن المشروبات المحرمة، وممارسة التمارين الرياضية، والسيطرة على أي أمراض أيضية (مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم والسكري)، لن يُحسّن صحة الأزواج الذكور الذين يخططون لإنجاب أطفال لصالح صحة شريكات حياتهم أثناء الحمل وصحة أطفالهم طوال حياتهم فحسب، بل سيزيد أيضًا من فرص نجاح انعقاد الحمل (22، 23).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC6075697/

2- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/17444880/

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_التخلق

4- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK532999/

5- https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC9339503/

6- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/36106720/

7- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/36542456/

8- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/33895399/

9- https://www.nature.com/articles/s41366-024-01671-8

10- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/andr.13639