الإبداع والتجريد والتاريخ على موعد مع البلدية في “دوار القطيف” "مسابقة" تجمع أبناء المحافظة وتؤسس لشراكة مجتمعية

 القطيف: نرجس الخباز

أبى مهندسو وفنانو القطيف إلا أن يكون تصميم “دوّار القطيف” تُحفة معمارية تتحدث عن نفسها، وتعكس حضارة المدينة وتراثها وجوانب مهمة من تاريخها القديم، ومن هنا، نبعت فكرة طرح مسابقة تطوعية، يُظهر فيها المهندسون والفنانون التشكيليون قدراتهم الإبداعية، في إيجاد معلم حضاري، ومظهر عصري للدوار، شريطة أن يكون نتاجهم، بعيداً عن أي تقليد ممل أو محاكاة مرفوضة.

فكرة المسابقة، قفزت إلى ذهن مهندسة سعودية شابة، رأت أن المسابقة، خير وسيلة، لتعزيز المشاركة بين المهدسين والفنانين والمبدعين من جانب، والجهات الرسمية المشرفة على الدوار من جانب آخر، كما رأت أن اتباع المدرسة “التجريدية” دون سواها، في التصميم، ستكون فرصة قوية أمام المهندسين والفنانيين، لإطلاق العنان لخيالهم، والوصول إلى شكل جمالي مختلف، يعزز الهوية الخاصة للدوار، وتُظهر الإرث الحضاري للقطيف. وفي هذا الحيز، نرصد آراء بعض المهندسين والمهندسات، الذين لهم دور فعال في طرح هذه المسابقة، ليتحدثوا عن أهميتها في تعزيز التعاون المجتمعي في مجال العمارة والتصميم.

جودة عالية

ويعرّف المهندس عباس الشماسي مسابقة دوار القطيف، بأنها “مسابقة رائدة، تبنتها لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف، عبر جماعة العمارة والتصميم بنادي الفنون، بالتعاون مع الهيئة السعودية للمهندسين، وبلدية محافظة القطيف، بهدف إشراك المجتمع أفراداً ومؤسسات، في تنمية مدنهم وقراهم، وابتكار الحلول الإبداعية، لاسيما أن رؤية 2030 تسعى إلى الارتقاء بمدن المملكة، وتحويلها إلى مدن بخدمات وبنى تحتية ذات جودة عالية، تحوي مساحات عامة ومسطحات خضراء، وتخلق بيئة صحية آمنة من خلال الحد من التلوث البيئي والبصري، وتحسين المشهد الحضري”، مؤكداً أن هذا الأمر “يندرج ضمن متطلبات وأهداف رؤية المملكة 2030”.

فكرة المسابقة

تقول المهندسة سلمى آل سيف، المؤسسة لجماعة العمارة والتصميم، وصاحبة فكرة المسابقة: “أثناء دراستي في نيوزلاند، انبثقت لدي فكرة المسابقات، عندما رأيت أن هناك مسابقات تقام مستوى العالم، للمهندسين المعماريين، وفي جميع المجالات الهندسية”. وتضيف “عندما عدت إلى وطني عام ٢٠١٦، عقب التخرج في جامعة فيكتوريا، قمت بعدة دراسات عن الأنظمة العالمية لتنظيم المسابقات، والبحث عن متطوعين، وعن مظلة رسمية تقام تحتها المسابقة، وقررت تقديم الفكرة للمجلس البلدي، حتى تم ترسيم جماعة العمارة والتصميم سنة ٢٠١٨ تحت مظلة لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف (فرع نادي الفنون)، بعدها طرحت فكرة مسابقة  “دوار القطيف”.

وتضيف: الفكرة تهدف في الأساس إلى أن تكون مدينتنا القطيف، الرائدة محليًا وإقليميًا وعالميًا، عبر الرقي بالفكر المعماري والتصميم الهندسي”.

وحددت المهندسة سلمى، أهداف المسابقة في “إنشاء رابطة إبداعية بين المهندسين والمعماريين والمصممين ومختلف فئات المجتمع، وبين مشاريع البلدية، للمشاركة في إنتاج أفكار جديدة، لتطوير الفكر المعماري في المنطقة من الناحية الشكلية والعملية، إضافة إلى تخليد المجسم كرمز معماري وجمالي في المنطقة، وتعريف المجتمع بأهمية المعماري والمهندس والمصمم، وتشجيعهم على الحوار، لإخراج نماذج مشاريع معمارية متميزة، تتلاءم مع الطابع المحلي وتواكب تطورات العصر، فضلا عن تحفيز المعماريين والمصممين على إبراز طاقاتهم للعطاء والمشاركة في تصميم المشاريع الضخمة، وفق المعايير المحلية والعالمية للمساهمة في تطوير المحافظة”.

وقالت سلمى أن المسابقة تسهم في “اختيار تصميم المشروع، الأعلى جودة من الناحية العملية والمهنية والمظهر العام من بين عدة تصاميم، توفر مجموعة حلول واسعة، لمشروع واحد، بإدارة أعضاء جماعة العمارة والتصميم وتقييم المحكمين ذوي الكفاءات العالية، وبأنسب تكلفة مادية، وسرعة إنجاز مرضية، تحت إشراف الجهات المعنية”.

منظومة متكاملة

ويقول المهندس خالد البيش: “بحكم تواصلي مع الجيلين من المهندسين الأوائل والشباب، وجدت الحماس والدعم من المهندسين الأوائل، بتشجيع المبادرات الشبابية في الخروج من النمطية السائدة في العمل الهندسي، إلى التفكير خارج إطار العمل الروتيني، وقد أبدى المهندسون الأوائل رغبة في دعم مبادرة الدوار، ماديًا وتقنيًا، من خلال تبني المشروع كرعاة، والانضمام إلى هيئة التحكيم، وهذان عنصران أساسيان في إنجاح المشروع”.

وعن أهم التحديات التى واجهت العمل بالمشروع، قال البيش: “أبرز تحد، هو إيجاد منظومة متكاملة لدعم المشروع من خلال تبنيه من قبل الجهات الرسمية، مثل بلدية محافظة القطيف والهيئة السعودية للمهندسين والمجلس البلدي بالمنطقة وتحت رعاية لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف بالإضافة إلى رعاة و محكمين المشروع”.

الصورة البصرية

ويتحدث المهندس أسامة الهبوب، مهندس عمارة البيئة، وعضو في لجنة تحكيم المسابقة، عن الفكرة التجريدية التي تقوم عليها مسابقة دوار القطيف، قائلاً: “أعتقد أن الفن التجريدي، هو تحد لكل مصمم، لأنه فن يعتمد على مدى خيال المصمم، فهو يخرج الإبداعات من تخيل الأشياء الواقعة حولنا، وتحويلها إلى أشكال مميزة، قد لا تشبه الفكرة المستنبطة منها، ولكن تعطي انطباعا غير ممل للمشاهد، وكلما كان الفن التجريدي عميقا، يظهر تأثيره على الجميع، وبالأخص على أعضاء لجنة التحكيم، وهو ما ينعكس على الصورة البصرية، وارتباطها بالطابع التاريخي لمدينة القطيف”.

التصميم التجريدي

ويؤكد المهندس عبد العظيم الخاطر، عضو لجنة التحكيم في المسابقة إنه من الصعب فهم التصميم التجريدي، مقارنة بالتصميم التمثيلي، ويقول: “التصميم التجريدي يتمثل في تبسيط الأشكال الطبيعية من خلال استخدام أشكال هندسية تحاكيها، وفي العادة يصعب فهم التصميم التجريدي، مقارنة بالتصميم التمثيلي، الذي يصور أشياءً واضحة معروفة ومحددة، لدرجة أنها تبدو في دقة الصور الفوتوغرافية”. ويضيف “التصميم التجريدي الذي اعتمد في تصميم الدوار، هو الأسهل، وهو الذي يصور أشياء تم “تجريدها”، بعد أخذها من الطبيعة، حيث يبدو التصميم قريباً بما يكفى من التمثيلي وبذلك يسهل فهمه”.

واعتبر الخاطر التصميم التجريدي للدوار، تحديًا حقيقيا للمتسابقين، وللجنة التحكيم أيضا، وقال: “التصميم التجريدى فى حقيقة الأمر، لا يكون سارًا للعين، وخصوصًا التجريدى “المحض”، فهو أشد صعوبة في الفهم، لأنه لا يعكس أى نوع من الواقع، فكل ما تراه، لا يعد أشكالًا وألوانًا وخطوطًا وأنماطًا وما إلى ذلك،  كما أن التصميم التجريدي بحاجة إلى بذل الكثير من الوقت فى التخيل والإبداع”.

شدة الاصطدامات

ويؤكد المهندس زكريا علي العبد رب الرضا، مدير إدارة التصاميم في بلدية محافظة القطيف، على أهمية الدورات المرورية. وقال: “هي تساعد على تنظيم التقاطعات، وتقليل احتمالية وشدة الاصطدامات بسبب تقليل السرعة فيها، ولكن يبقى الغرض الرئيس منها، ضمان استمرار انسيابية الحركة المرورية بدون تقاطعات، وإتاحة الحركة للجميع بكل سهولة ويسر”.

وحول أهمية المجسمات الجمالية في لدوار، قال المهندس العبد الرضا: “لكون أماكن الدورات والميادين العامة مناطق تجمع وتوزيع الحركة، لذلك فهي مواقع مهمة بصرياً، وتحتاج الى إضافة لمسات جمالية، توفرها المجسمات الجمالية،  لأنها تعكس الواقع الحضاري والجمالي للمنطقة، وتعمل على إيصال رسالة مهمة لمرتادي هذه الأماكن”.

وقال: “تم اختيار موقع دوار حي الغدير، من قبل بلدية محافظة القطيف، الواقع على طريق الخليج، كموقع للمسابقة لما يشكله هذا الموقع من أهمية لوقوعه على طريق شرياني وحيوي، يربط مدينة الدمام بمحافظة القطيف، ويحتوي على كثافة مرورية عالية، وسيكون تحديًا مهمًا للمشاركين في المسابقة”.

ورأى عبد رب الرضا أن مبادرة إجراء مسابقة لتصميم الدورات في محافظة القطيف، تأتي سعيًا لإشراك المجتمع المدني

وتعزيز التكامل بين أفراد المجتمع، والبلدية ضمن رؤية 2030″. وقال “لا شك أن هذه الفعاليات، تزرع حس المشاركة الاجتماعية، وتعكس الاهتمام الواضح بمستقبل مددنا السعودية، لتحتل مكانها الصحيح في مقدمة مدن العالم”، معبراً عن أمنياته بأن تكون المبادرة “مبدعة لخلق أفكار جديدة ورائدة، لتطوير الدوارات، لاسيما مع مشاركة الكثير من المبدعين والمختصين والمهندسين والفنانين التشكيليين ومكاتب هندسية متخصصة في المسابقة”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×