“الشقيقة” تسكن رؤوس سُدس سكان العالم فعالية تثقيف تشخص المرض "الغامض" وتشرح وسائل التخفيف من آلامه

القطيف: أمل سعيد

ألم نابض، اضطربات بصرية، بقع عمياء أو ومضات ضوئية، الغثيان أو الشعور به، الإنزعاج من الأصوات والأضواء والروائح.. كل هذه مجتمعة أو متفرقة يعرفها جيداً مريض الصداع النصفي، أو اختبر أغلبها على أحسن تقدير.

وفي الأوقات التي تشلّ فيه قدرة المريض على التركيز، والتفاعل مع ما يجري حوله، أو القدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعي، يبدو لمن يتعامل معه أنه شخص عابس ومزاجي أو انطوائي، ومنكفئ على نفسه، وهذا هو فعلاً الوجه الآخر لمريض الشقيقة،

الوجه الذي يلبسه كلما هجمت عليه نوبة الألم التي لا ترحم، ولا يخلعه أو لا يستطيع خلعه حتى تتركه.

الكثير من الناس يجهل حجم ما يعانيه مريض الصداع النصفي، والكثير من المصابين به يجهلون كيف يتعاملون مع نوبات الألم، كثير من المعلومات خافية وكثير منها مغلوط، وفي سبيل إيضاح كل هذا (الكثير) حضرت “صُبرة” فعالية “الحياة بدون صداع نصفي”، التي يقيمها قسم الباطنية، وحدة الأعصاب، بشبكة القطيف الصحية، في مجمع سيتي مول القطيف.

 

نصف الرأس

تقف الدكتورة سارة الخضر في الركن الأول من الأركان الخمسة، التي اصطفت بجانب بعضها لتعريف الناس بالهدف من إقامة الفعالية، وبالمرض الشائع الغامض، تقول الخضر “تهدف الفعالية للتعريف بمرض الصداع النصفي، الأعراض، التشخيص، والعلاج، وكما في اسمه تماما فإن الصداع النصفي يتميز بأنه يصيب أحد جانبي الرأس، كما أنه يصيب النساء أكثر من الرجال”.

ورغم أنه من الأمراض الأكثر انتشاراً حول العالم، فقرابة سدس سكان كوكب الأرض مصابون به، إلا أنه بقي غامضاً، فلا أحد يشير إلى ماهيته أو إلى مسببات المرض، تضيف الخضر “حتى هذه اللحظة ليس معروفاً سبب المرض ولكن هناك بعض الأمور تعتبر من محفزات حدوث النوبة، ومن خلال التحاليل والأشعة وجد أن الأنسجة والخلايا في الدماغ تتغير أثناء حدوث النوبة ثم تعود لحالتها الطبيعية بعد انتهائها، كما أن شدة النوبة تزيد في الضوضاء والأصوات العالية وفي وجود روائح نفاذة كالعطور والبخور”، وتكمل “أما الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة بمرض الصداع النصفي فهي ما بين 25 و55 سنة”.

 

المكسرات والأفوكادو

أطعمة تخفف من شدة نوبات الصداع النصفي وأخرى تحفزها، وربما كان من الضروري الإشارة إلى أن المريض هو من يستطيع التمييز فيما بينها، فليس هناك خطوط عريضة بين القسمين، وعن ذلك تقول اختصاصية التغذية مي الشماسي “قد تساعد الأغذية الغنية بالمغنيسيوم في التخفيف من شدة النوبة ومن أهمها الجوز واللوز والكازو الشبت والموز والأفكادو والشوكولاتة الداكنة”، وتضيف “إن انتظام تناول الوجبات الغذائية أيضاً من العوامل المساعدة في تخيف حدة الألم، ومن الضروري تجنب الجوع الشديد والصيام الطويل، ومن الأفضل أن يتناول المريض 5 وجبات، وأن تحتوي الأغذية التي يتناولها على الألياف، ويهتم بشرب المياه بكميات كافية، كما يوصى المريض بمشروبات بعض الأعشاب المفيدة كاليانسون والزنجبيل والنعناع واللافندر”.

وتكمل الشماسي “وعلى الضفة الأخرى هناك أطعمة تزيد من شدة النوبات وعددها، من أهمها الكافيين والمعلبات المالحة، والفاكهة غير الناضجة (القاسية)، والجلوتين، واللحوم المصنعة والمعلبة كالنقانق والبيروني والمورتديلا، وبعض أنواع الأجبان (الزرقاء، والشيدر، والسويسرية، البارميزان والموزريلا)، كما يجب على المريض تجنب المشروبات الباردة، وإلى جانب تناول واجتناب بعض الأغذية فنمط الحياة أيضاً يؤثر على المصاب بالشقيقة، لذا فمن الضروري ممارسة الرياضة، والمحافظة على الوزن المثالي”.

مرض الشباب

يختار الصداع النصفي من يحتلهم بعناية، وإن بدا أنه يخبط خبط عشواء، يقول استشاري الأعصاب الدكتور محمد القديحي “يرتبط الصداع النصفي بالعمر والهرمونات ارتباطاً وثيقاً، فعادة بعد عمر 55 سنة ومع انقطاع الطمث، أو انخفاض هرمون التستو ستيرون تنخفض نوبات الصداع النصفي وشدتها بشكل ملحوظ، بالنسبة للنساء”

ويميز القديحي بين أنواع الصداع “يبدأ علاج الصداع النصفي بصحة تشخيص المرض، حيث أنه يمكن الخلط بينه وبين الصداع الأولي، والتوتري أو العنقودي أو ما شابه، ودور الطبيب هو أن يكون دقيقاً في تشخيص حالة المريض”، ويكمل “هناك علامات فارقة تميز الشقيقة عما عداها من الأنواع الأخرى وذلك كونه يصيب نصف الرأس، كما يتميز بالألم النابض، يصاحبه ترجيع وغثيان، والإنزعاج الشديد من الأصوات والأضواء والروائح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الصداع النصفي يستمر أكثر من 4 ساعات أو نصف يوم في الغالب”.

الأدوية الوقائية

ويؤكد القديحي أن “بعض الحالات الشديدة من المصابين بالصداع النصفي يحتاجون إلى تناول الأدوية الوقائية، ولا يكتفى بمسكنات الألم، ولكل حالة أدوية خاصة بها قد تختلف عن أي حالة أخرى، وذلك يعتمد على الأمراض والتاريخ المرضي للمصاب أو المشاكل الصحية، فبعض الأدوية تسبب زيادة الوزن، وبعضها يسبب نقصان الوزن، بعضها يؤثر على الكبد، وأخرى تؤثر على القلب”، ويكمل “تؤخذ الأدوية الوقائية على شكل (كورسات) من 9 شهور إلى سنة، ثم يتركها المريض شهر أو شهرين، وإذا كانت النتائج طيبة يمكنه تركها نهائياً”.

ويوضح القديحي أن “الصداع النصفي مرض طيفي متفاوت وتجارب الناس مختلفة فيه، فبعض المرضى يصابون بنوبة الشقيقة مرتين إلى 3 مرات في السنة، وبعضهم يصاب بالنوبات بشكل يومي لعدة أشهر في السنة، لذا فالعلاج يكون (Case by case)، ولا نستطيع أن نضع قالباً واحداً لكل المرضى، بل أكثر من ذلك أن علاج الشخص نفسه قد يتغير من سنة إلى أخرى”.

العلاجات

وتصنف دانة اليوسف صيدلي إكلينك في مستشفى القطيف المركزي الأدوية التي تعطى إلى مريض الشقيقة، وتقول “نتدرج في صرف الأدوية للمريض على حسب شدة الحالة التي يتعرض لها، فأول تلك العلاجات هي مسكنات الألم، وهذه أيضا تتفاوت مستوياتها، فهناك المسكنات الخفيفة كالبنادول (Paracetamol)، والبروفين، والبونستان، وأحيانا ينفع استعمال هذه المسكنات للقضاء على الألم أو تخفيفه، ومن ميزات هذه المجموعة أنها متوفرة في الصيدليات وتصرف من غير الحاجة إلى وصفة طبية، كما أن سعرها رخيص، والأعراض الجانبية لها نادرة، وبسيطة”

تضيف اليوسف “في حال أن المجموعة الأولى من الأدوية لم تفلح في التخلص من الألم ينتقل الطبيب إلى استخدام المجموعة الثانية وهي Eletriptan (إليتربتان) وموجود منها 6 أنواع وتعمل على هرمون السيراتونين في الجسم فتزيد من معدلاتها، وبذلك يخفف من الأعراض، ولا ينصح بكثرة استعمالها لأن لها تأثير معاكس، فزيادتها تسبب الصداع”، تكمل اليوسف “المجموعة الثالثة هي أدوية الاستفراغ والترجيع، تعمل على خلايا معينة في الدماغ فتخفف النوبات، لكنها تؤخذ كإبر ولا تؤخذ الأقراص منها لذات الغرض”.

وعن آخر الأدوية المعتمدة من هيئة الغذاء والدواء والتي نزلت السوق السعودي تقول اليوسف “مجموعة الجيبينات وهي مضادات مستقبل الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين، وتعمل على الجينات الموجودة على إنزيم الكالسيتونين، وتوجد على نوعين إبر تستخدم للوقاية، والأقراص للعلاج”

وتوضح اليوسف أمرا في غاية الأهمية وهو الفرق بين أدوية الوقاية وأدوية العلاج، ومتى يستخدم كل نوع فتقول “تستخدم أدوية الوقاية عادة في الحالات الشديدة، والتي تزيد عدد النوبات فيها على 10 مرات في الأسبوع، أما في الحالات الخفيفة فلا ينصح باستخدام الأدوية الوقائية، وهو علاج طويل الأمد، قد يستمر لشهور”، وتضيف “الأدوية الوقائية صنعت أصلا لعلاج أمراض أخرى كالاكتئاب والضغط، والتنميل وغيرها، وبعد التأكد من فاعليته أصبحت توصف لحالات الصداع النصفي”.

التغلب على الشقيقة

الحقيقة المرة في هذا المرض أنه لا يوجد دواء له، وكل العلاجات الموجودة في السوق، تستعمل لعلاج أعراضه، أو التخفيف منها، ولكن هناك تجارب ناجحة استطاعت التغلب على المرض، ومن تلك التجارب ما ترويه مشرفة مكافحة العدوى في إدارة المراكز الصحية سارة المحسن عن رحلتها مع الصداع النصفي، تقول “احتجت شهرين للتأكد من فاعلية ما أقوم به، وحينما أعود لحكايتي من أولها، أتذكر قبل 20 سنة كيف ابتدأ شعوري بالمرض، ولكنه اشتد منذ 10 سنوات، كنت مريضة أغلب الأيام، وقليلاً ما كنت أعيش مع الناس، فالشقيقة حبستني في غرف طوارئ المستشفيات”.

تكمل المحسن “كان الألم عظيماً عظيماً، صدقاً كنت فاقدة للحياة، مزاج سيئ، وعصبية دائمة، التجأت لدكتور في القطيف المركزي علي المبارك، ووضع لي خطة علاجية قوامها تغيير نمط الحياة، وتعتمد على ترك الشاي والقهوة وكل المشروبات التي تحتوي الكافيين، والمكسرات وجميع أنواع الأجبان، والشوكولاتة، كما انتظمت في أداء الرياضة الخفيفة، مع أخذ قسط كاف من النوم المتواصل، وابتعدت عن كل ما يوترني، وفعلّت سياسة التغاضي والتجاهل مع كل ما يستفزني، فوجدت أن شدة النوبات بدأت تخف بعد شهر من انتظامي في الخطة الجديدة، وبعد شهرين تأكدت من أن علاج كل هذا الألم بيدي وحدي”.

تضيف المحسن مبتهجة “هجرت غرف الطوارئ، وأصبحت أمارس الحياة وأعيشها، صرت أضحك بعد عبوس دام سنوات، لذا أنصح من تصل إليه هذه الرسالة إن كان يريد التغلب على الصداع النصفي أن يبدأ بأكله ونمط حياته، وأهلا ومرحبا به في الحياة”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×