[2] حرز السيّد السّبزواروي.. عبور حدود بلا جواز

الشيخ علي الفرج

في الحلقة السابقة؛ انتهينا عند سرد أحداث مشهد فوزنا بالصّعود إلى السيّارة التي أقلّتنا إلى منفذ (الحديثة)، غير مستبعدين أثر الحرز المبارك الذي حملناه معنا من سماحة السيّد المرجع عبدالأعلى السّبزواري (قدّس سرّه الشريف).

انطلقت السيارة بنا ونحن لم نصل بَعْدُ إلى الحدود العراقية.

مررنا بثلاثة أشخاص، ربما كانوا من بنغلادش أو من كشمير (التردد من الكاتب)، فأرْكَبناهم معنا استعطافاً منّا، رغم ضيق المركب، حتّى وصلنا إلى منطقة حرة بين العراق والأردن.

الأردنيون؛ كان تفتيشهم دقيقاً وحركتنا بطيئة جدًّا، لدرجة لم تتحرّك سيّارتنا سوى مسافة قصيرة جدًّا خلال عشرين دقيقة.

أمّا عدد السيّارات التي كانت تتنظر دورها في محطّة التفتيش، فتقرب من أربعين سيّارة تسبقنا، ومثلها أربعون خلفنا.

وأشرقت الشمس

ولما لم يزل الحرز المبارك بحوزتنا، اتفقت مع الشيخ ميثم الخنيزي على أن نكرّر عبارات حرز السيّد السبّزواري (ره) بإشارات لا يفهمها غيرنا، وتضرّعنا إلى الله بتكرار هذا الحرز العظيم. وبينما كنّا مشغولين بتلاوة فصوله، إذ بأحد مسؤولي نقطة التفتيش يركض نحونا، إلى أن وصل إلينا يطلب من جميع الرّكاب تسليم جوازات السفر.

تصفّح الجوازات – والابتسامة مرتسمة على شفتيه – وقال: ما شاء الله! ثلاثة جوازات لثلاث جنسيات مختلفة في سيّارة صغيرة..!

ثم أشار إلى اتجاه شارع فارغ من السيّارات يرشدنا إلى السيّر فيه، وبمجرّد تحرّك سيّارتنا، اندفعت السيّارات الرابضة خلفنا دفعة واحدة، وكأنّ سائقيها فهموا من إشارة الرجل أنّ الأمر يشمل الجميع، لكنّه رفع يديه مشيراً إليهم أن ارجعوا إلى ما كنتم عليه، فالأمر خاصٌّ بهذه السيّارة الصغيرة فحسب، وبذلك كانت سيّارتنا هي اليتيمة في ذلك الشارع الآخر.

فأيّ رحمة وفضل من الله شملنا في سفرنا هذا، ورحمة الله عزّ وجلّ وسعت كلّ شيء، وهو مسهلّ الأمور بأسبابها، سواء أكانت ظاهرة أو خافية على خلقه، فهل كانت بركات الحرز سبباً بلطفه بنا وتسهيل أمورنا؟

هذا ما لا نجزم بحقيقته، ولكن تهمّنا النتيجة التي سرّت خواطرنا وأثلجت صدورنا، فلله الحمد على ما كان وسيكون في مستقبل أيامنا، ولا ينبغي للمؤمن إلّا الشكر في السرّاء، والصبر على الضرّاء.

أمّا سائق سيّارتنا فقد اعترته حال من الدهشة والسرور في آنٍ معاً؛ مما أثار فضوله ليسألنا عن أسمائنا، لا سيّما ما لفت انتباهه بلباسنا المميّز المختلف عن الآخرين وخصوصية ما حدث من تيسير لأمورنا، ثم أعقب سؤاله بقوله: أنا متأكد بأنّكما السبب في هذه الأحداث الغريبة، رأيت في هيأتكما ملائكة، ثيابكما البيضاء البهيّة، لا شك أنكما السبب في هذه الأحداث.

وأما نحن فلم نَنْبِسْ ببنتِ شفة، إن كان ما حدث ببركات الحرز أو لأيّ سبب آخر.

غادرنا الأراضي العراقية ودخلنا الأردن.

بعد مشي مسافة قليلة داخل الأردن قال الساّئق: أنا سافرت من الكويت إلى الأردن ولم يدخل إلى جوفي خلال ثلاثة أيام متتاليات شيء غير الماء، وكذلك لم يغمض لي جفن سوى من غفوة قصيرة، لذا أستأذن منكم لأذهب إلى قريتي لآخذ قسطاً من الراحة.

وسأنزلكم في الشارع الأساسي ثم أذهب أنا إلى القرية وأكلّف ابن خالي يأتي لكم ويوصلكم إلى حدود الأردن، يعني منفذ الحديثة، فقلنا له: لا تزاحم نفسك.

فقال: هذا وفاء لكم.

رابع المستحيلات

الشارع الذي أوقفنا فيه السائق كان شديد الظلمة، وحقائبنا بأيدينا، وعبارات الدعاء بالنجاة والوصول إلى هدفنا لم تفارق ألسنتنا، حتى وصل ابن خال قائد سيّارتنا السابق سائلاً: أنتما فلان وفلان؟

فأجبناه بالتلبية.

وركبنا بحمد لله ومنّه، إلى أن وصلنا إلى الحدود الأردنية، ثم نقطة التفتيش، وطلب منّا ضابط النقطة جوازاتنا.

فإذا بنا نفاجأ بالسائق الجديد لا يحمل جوازه معه!.

فقال له الضابط: ألا تعلم أنّ هذا السياج هو آخر الحدود الأردنية، فلا يمكن رسميًّا أن تعبر الحدود بدون جواز؟

علماً أنّ بين الحدود الأردنية والحدود السعودية مسافة كيلومترين تقريباً؛ الأمر الذي يصعّب علينا مهمّة المرور دون السائق، خصوصاً مع متاعنا الذي أثقل وزن حقائبنا.

إضافة إلى مرافقتنا الأحسائية العجوز التي تحتاج إلى من يقوم على رعايتها.

اضطررنا إلى مخاطبة المسؤولين في المنفذ لكي يسمحوا للسائق يمشي بنا تلك المسافة القصيرة ثم يعود إلى مكانه؛ رأفة بحالنا، إلّا أنّهم رفضوا التماسنا، ووصفوا استجابة طلبنا من الأمور المستحيلة.

وإن سمحوا بذلك فقد تجاوزوا شأناً متفقاً عليه في كلّ دول العالم التي ترفض مغادرة أو دخول الدولة دون جواز سفر ساريَ المفعول.

كنْ فيكون!

لم يكن بوسعنا سوى الاستعانة بمن يقول للشيء (كن فيكون)، والوسيلة الحاضرة إليه بين أيدينا، هي تلاوة فصول تلك الكلمات النورانية، فشرعنا نقرأ بتضرّع وتذلّل، حتّى حضر إلينا أحد المسؤولين الكبار فسألنا عن المشكلة، فأخبره أحد الضباط بالقصة كاملة.

اجتمع المسؤول الكبير بجميع المسؤولين دونه اجتماعاً طارئاً قصير الوقت، ليخرجوا بنتيجة تفسح لنا المجال للوصول إلى هدفنا الذي ننشد، بعد مخاطبتهم لنا:

 “هذه أول مرّة في التاريخ يخرج شخص من هذه الدولة بدون جواز سفر”، ثم سمحوا للسائق بالمرور على أن يعود بعد دقائق قليلة.

ولا شكّ أنّ هذا الحدث سيخلّد في ذاكرة السائق الذي راح يقهقه فرحاً وتيهاً وهو يقول:

أحسّ بالحرية في خارج الأردن وأتنفّس الهواء النقي.

أوصلنا السائق إلى هدفنا وعاد إلى دولته، دون أن نكشف له أمر تيسير أمورنا وانفراجها، ولعلّ في هذا صلاح أمر الجميع، فقد يقتل الفضول القطة..!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×